المحاكمة، ومن أصحابنا من قال: يلزمه قيمة المثل وقت العدم ولا اعتبار بما كان زائداً قبله أو بعده لأن نقص ثمنه مع وجود المثل لا يوجب غرم النقص مع دفع المثل فعلم أن ما تقدم من زيادة الثمن ونقصه غير معتبر وقد اعتبرت قيمته في آخر وقت إمكانه وهذا قول للشيخ الجليل أبي عبد الله الحناطي والقاضي أبي عليّ الزجاجي والقاضي الماوردي وجماعة وبه أقول.
ومن أصحابنا من قال: إن كان ذلك مما يوجد في وقت وينقطع في وقت كالعصير وجبت قيمته وقت الانقطاع لأن بالانقطاع يسقط المثل وتجب القيمة، وان كان مما لا
ينقطع عن أيدي الناس ولكن يتعذر في موضع تجب قيمته يوم الحكم لأنه لا ينتقل إلى القيمة إلا بالحكم ويحكى هذا عن ابن أبي أحمد، وحكي عن ابن أبي أحمد أنه قال: إن وجد له مثل يوم التلف ثم انقطع كالعصير يلزمه قيمته يوم الانقطاع لأن المثل قد استقر في ذمته ها هنا [١٥/أ] ثم انقطع، وان لم يوجد مثله يوم التلف يلزمه أكثر ما كانت قيمته من وقت الغصب إلى يوم التلف لأنه لما تلف في وقت لا يوجد مثله فيه صار في الحكم كمتلفٍ لا مثل له، وقد قال الشيخ أبو عبد الله الخشن في شرح "التلخيص": قال الشافعي في كتاب الغصب ونقله المزني إلى الجامع الكبير: لو غصب حبا أو تمراً أو أدماً فاستهلكه فعليه مثله إن وجد له مثل فإن لم يوجد له مثل فعليه أكثر ما كانت قيمته ما بين الغصب والتلف والعلة ما ذكرنا، ومن قال يلزمه قيمته يوم المحاكمة خالف هذا النص فحصل ستة أوجهٍ.
وقال القفال: اختلاف أصحابنا في هذا يبُنى على اختلافهم فيما لو أتلف المثل فلم يوجد المثل فغرم القيمة ثم وجد المثل هل للمالك رد القيمة وأخذ المثل؟ أو هل للغاصب استرداد القيمة ورد المثل؟ وجهان أحدهما: له ذلك لأن العدول إلى القيمة كان للضرورة فإذا أتلفت للضرورة بغير الحكم كما لو غصب عبداً فأبق من يده غرم قيمته ثم وجد العبد له الرد واسترجاع القيمة وللسيد الاسترداد ورد القيمة، والثاني: ليس له ذلك لأن للمتلف بدلين المثل والقيمة فإذا عدم المثل فالقيمة هي البدل فإذا بذل القيمة ليس له العود إلى البدل الآخر بخلاف العبد الآبق فإنه عين ماله فله الرجوع إليه متى قدر فإذا قلنا: له الرجوع إلى المثل ورد القيمة فها هنا يغرم أكثر ما كانت قيمته من يوم الغصب إلى يوم فقد المثل لأن العين وإن تلفت حلَّ المثل محل العين وإذا قلنا: ليس له ذلك فها هنا يغرم قيمة المثل يوم فقد المثل ويحتمل أن يقال: يوم يحكم عليه، وقال أصحابنا بالعراق: إذا أخذ القيمة لا يطالب بالمثل بعده إذا وجد وجهاً واحداً والفرق بينه وبين مسألة الآبق أن قيمة الآبق أخذت عند الإياس منه فلزمه الرد عند القدرة وها هنا أخذ القيمة مع العلم بالقدرة عليه من بعد فلم يلزمه ردها بعد القارة عليه، وقال في "الحاوي": إذا عدم المثل فيه قولان حكاهما أبو حفص بن الوكيل أحدهما: يلزمه قيمة الأمل المغصوب أكثر ما كانت من وقت الغصب إلى يوم التلف، والثاني: يلزمه قيمة المثل.