كل واحدٍ درهمين وهلك الذي سرقه يلزمه الضمان وكم يضمن؟ فيه وجهان أحدهما: يضمن ضمان ما هلك في يده وهو درهمان لأنه قيمة ما أتلف، والثاني: يلزمه ضمانه وضمان ما نقص بالتفرقة وهو ثمانية دراهم، وإن كانت قيمة ما بقي أربعة ضمن السارق ستة وهذا أصح، لأن النقصان حصل بفعله ولا يجب القطع بلا خلاف لأن قيمة ما أخرجه درهمان والباقي في ذمته ولا قطع فيما يلزم ذمته من الضمان كما لو أتلف في الحرز شيئاً لا يقطع بضمانه، وقال القفال: الأول أصح لأنه لا يغرم إلا فعلٌ فيه وهذا الباقي لا فعل له فيه وهذا كما نقول في عبد بين شريكين قيمته مائة دينار أعتق أحدهما: نصيبه وهو موسر لا يغرم لشريكه خمسين ديناراً ولكن يقال: كم قيمة نصف هذا العبد إذا بيع نصفه منفرداً فيقال: أربعون إذا العبد لا يُشترى نصفه منفرداً عن النصف الآخر كما يشترى إذا بيع كله وجنايته كانت على هذا النصف خاصةً وفعله كان فيه وحده فضمنه وحده كذلك ها هنا.
وقال الشيخ أبو حامد وجماعة: المذهب هذا الوجه الثاني لأن الخُفٌين كالخف الواحد في الحكم لأنه لا يقع الانتفاع إلا بهما في العادة الغالبة ففي إتلاف أحدهما: إتلاف عينه ورفع تأليفه مع الخفٌ الأخر، فهو كما لو قطع من فرد خفٍ قيمته خمسة بعضه وأتلفه فرجعت قيمة كل واحدٍ من بعضه على انفراده إلى درهم يضمن كل ما نقص كذلك ها هنا ولا يقطع يده على ما ذكرنا في قطع بعض الخف الواحد عنه السرقة لأن الغرم يجب لنقص التأليف وقطع اليد لا يجب إلا بإخراج عين قيمتها ربع دينار من الحرز وقد أخرج ما يُسوي أقل من ذلك فلا قطع، فإن قيل: أليس نقصان السعر لا يلزم مع بقاء عينه فكذلك ها هنا قلنا: ذاك ليس من فعله وهذا من فعله فضمن.
فرع آخر
[٥٢/أ] لو أرسل في ملكه ماء فسال إلى ملك غيره لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون قدر الحاجة أو أكثر فإن كان أكثر يلزمه الضمان لأنه مفرّطٌ فيه، وإن كان قدر الحاجة نظر، فإن كان يعلم أنه يفيض إلى ضيعة غيره مثل إن علم للماء طريقاً كثقب الفارة ونحو ذلك يلزمه الضمان أيضاً لأنه مفرطٌ فيه، وإن لم يعلم ذلك فدخل الماء إلى ملك غيره فلا ضمان عليه لأنه غير مفرط فيه وكذلك إن لم تكن حاجة ولكنه أرسل قدراً جرى به العرف لا ضمان عليه، وقال في "الحاوي": إن لم يكن له في أرضه مفيض له ولا كان في حدودها ما يصده عن الخروج إليه ضمن لما في طبع الماء من الجريان.
فرع آخر
الحكم في النار كالحكم في الماء سواء، فإذا أشعل في د اره ناراً فانتشرت وتعدت إلى دار جاره فأحرقتها فإن كانت النار إذا انتشرت فيما هي فيه لم يخرج عن حدود داره لا يضمن لأنه لم يتعد بها، وإن كان انتشارها فيما هي فيه يخرجها عن حدود داره ضمن لأن من طبع النار انتشارها فيما وقعت فيه فصار متعدياً بها فضمن، وإن أجَّج