بالخيار بين أن يتملكه الآن وبين أن يرده ولا خيار للمغصوب [٥٣/ب] منه لأن المغصوب منه لما ملك الخيار في الابتداء لم يملكه في الانتهاء، والغاصب لما لم يملكه في الابتداء ملكه في الانتهاء.
فإن اختار تملكه استقر ملكه عليه حينئذ باختياره، وإن طلب القيمة ولم يختر تملّكه قيل للمغصوب منه: إن رددت القيمة عاد العبد إليك ولا أجرة لك فيما مضى لأنك تملكه الآن ملكا مبتدءاً، وإن امتنعت من رد القيمة لم تجبر على ردها لأنك قد ملكتها وبيع العبد ليأخذ الغاصب من ثمنه ما دفعه من القيمة فإذا بيع فإن كان بقدر القيمة أخذ كله، وإن كان أكثر فالزيادة للمغصوب منه لأنها زيادة لم يستقر ملكه عليها، وإن كان أقل يأخذه الغاصب ويكون العجز عائداً إليه لضمانه نقص المغصوب، وإن كان رده ممتنعاً للجهل بمكانه يؤخذ منه قيمته جبراً فإذا أخذها ففي استقرار ملكه على القيمة وجهان أحدهما: أن ملكه مستقر عليها لفوات الرد، والثاني: أن ملكه عليها مراعى لجواز القدرة على الرد ثم إذا وجد العبد بعد أخذ قيمته فهو باقٍ على حكم ملك المالك يأخذه ويرد ما أخذ من قيمته فإذا استرجع رجع بنقص إن كان فيه، وبنماء إن كان وفي رجوعه بأجرته بعد أخذ قيمته وجهان مبنيان على أن ملكه على القيمة هل يكون مستقراً أو مراعى؟
ولو أن أجنبياً تصرف في هذا العبد الأبق رجع المالك عليه بالأجرة وجهاً واحداً وهل يكون مخيراً في الرجوع بها عليه وعلى الغاصب أم لا؟ على ما ذكرنا من الوجهين فإن قلنا: يضمن الغاصب الأجرة له الخيار، وإن قلنا: إنه لا يضمن الأجرة ليس له الخيار بل يرجع على المستخدم وحده ثم إذا رجع المالك بما ذكرنا فإن كان ما أخذه الغاصب من القيمة مستهلكاً تقاصّا في مقدار الأجرة وما نقص ورد مثل الباقي منه، وإن كان باقياً فإن قلنا: باستقرار ملكه عليه له أن يأخذه منها قدر ما يستحقه ويرد الباقي بعينه وإن قلنا: إنه مراعى لم يكن له أن يأخذ منه ذلك إلا برضا الغاصب لأن وجود المغصوب رفع ملكه عن القيمة فصار [٥٤/أ] كسائر أموال الغاصب لا يجوز أن يأخذ منها حقه إلا بإذنه إذا أمكن أن يصل منه إلى حقه وليس أن يرتهن القيمة على أخذ الأجرة وله أن يرتهنها على أخذ النقص لأنها بدل عن العين دون المنفعة.
فرع
لو قال الغاصب: أنا أشتريها منك وهي عندي وقد عرفتها فباعها إياها فالبيع جائز نص عليه الشافعي قال المزني: قد أجاز بيع الغائب ومنعه في موضع آخر وهذا غير صحيح لأن هذا شيء رآه الغاصب وعرفه فلا يكون بيع الغائب كما لو كانت وديعة في يده فاشتراها بعدما رآها وعرفها وأعلم أن الشافعي يجوّز بيع المغصوب من الغاصب ومن غيره إذا كان قادراً على انتزاعه منه لا يختلف مذهبه فيه، والذي منع الشافعي هو بيع دابةٍ ضاعت من يد الغاصب وهو لا يعلم موضعها لا يجوز بيعها منه للعجز عن التسليم وجملة الأمر أن الغاصب إذا أراد شراء ما غصبه فباعه المالك نظر، فإن لم يأت عليه من المدة ما يجوز تغيره فيه يصح البيع بلا خلاف، وإن أتى عليه من المدة ما يجوز تغيره فيه يصح البيع أيضاً