الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة مرسًلا عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه في "الإملاء" عنهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضًا عن جابر مرفوعًا. وأما الإجماع فلا خوف بين كافة الصحابة وجمهور العلماء فيه، فإذا تقرر هذا فالشفعة عندنا بالخلطة والشركة دون الجوار وبه قال عمر وعثمان وعلي في أصح الروايتين وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والزهري وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور رضي الله عنهم [٦١/ أ] وقال أبو حنيفة والثوري وابن شبرمة وابن أبي ليلى: تثبت الشفعة بالشركة في الطريق ثم بالجوار.
وقال أبو حنيفة: فإن لم يكن شريك وكان الطريق مشتركًا كدرب لا ينفذ تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب، فإن لم يأخذوا وأثبت للملاصق من درب آخر خاصة وقال أيضًا: الشركة في النهر تثبت الشفعة في الأملاك التي تسقى بمائه إن كان النهر لا يحتمل السفن، وإن كان بحيث يحتمل السفن لا تثبت الشفعة بسببه وليس لأبي حنيفة صحابي يساعده على هذا المذهب وربما ينسبونه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال عبيد الله العنبري وسوار القاضي: تثبت الشفعة بالشركة في الملك والشركة في الطريق أيضًا ثم ذكر الشافعي مناظرة جرت بينه وبين الخصم فقال: واحتج محتج بما روى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجار أحق بسبقه" فدل على أن الشفعة ثابتة للجار والسقب والصقب بالسين والصاد القرب، والصقوب العمد التي تعمد بها بيوت الأعراب وأحدها صقب فأجاب الشافعي: بأنك ما أجريت الخبر على عموده فإنك منعت الشفعة لمن بينك وبينه ذراع إذا كان الطريق نافذًا وأعطيت الشفعة من بينك وبينه رحبة أكثر من ألف ذراع إذا لم يكن نافذَا ثم قال: هذا الخبر لا يحتمل إلا معنيين أحدهما: أن يكون مطلقًا بعمومه على كل جار، أو يكون مختصًا ببعض الجيران فأحمله على الشريك الذي لم يقاسم فإنه يسمى جارا كما يسمى المقاسم جارًا بدليل خبرنا حتى يكون جمعًا بين الخبرين وخبرك لا يخالف خبرنا لأنه مجمل وخبرنا مفسر وأراد بالمجمل العام وبالمفسر الخاص، ويجوز أن يسمى العام مجهولاً على معنى أنه مشتمل بظاهر الاسم على جمل كثيرة فقال الخصم: وهل يقع اسم الجار على الشريك حتى يستقيم هذا التأويل؟ بل الشريك [٦١/ ب] أخص بشريكه وأقرب إليه من أن يسمى جارًا لان ملكه مختلط بملكه اختلاط شيوع وإنما يطلق اسم الجار على من جاور غيره بملك ممتاز عن ملكه فأجاب الشافعي بأن المرأة تسمى جارة مع أنها أقرب من الشريك لأنها ضجيعته تقول العرب: امرأة الرجل جارته مع قربها منه بدليل قول الأعشى:
أجارتنا بيني فإنك طالقه وموموقةٌ ما عشت فينا ووامقه