واختلف أصحابنا في تأويلها على طريقين فمنهم من قال: إذا تلف الألف لا يخلو من أحد أمرين إما أن يتلف قبل الشراء فإن تلف قبل الشراء مثل إن اشترى عبدًا بألفٍ ثم بان له أن الألف قد هلك قبل الشراء فقد زال القراض وبطل وانقطع تصرف العامل في القراض، فإن ابتاع بعد هذا شيئًا كان له دون رب المال ولا شيء على رب المال وهذه مسألة "البويطي"، وإن كان التلف بعد حصول الشراء كان المبيع لرب المال قراضًا وعليه تسليم ألفٍ آخر في ثمنه لأن المبيع له لا للعامل، ثم إذا دفع الألف في ثمنه فأي الألفين يكون قراضاً؟ اختلف أصحابنا فيه على هذه الطريقة على وجهين:
أحدهما: التالف من رأس المال والقراض الألف الآخر وهذا ليس بشيء والمذهب أن الألفين معًا قراض وأن التالف من الربح لا من رأس المال، فإن ربح العامل شيئًا كان من التالف حتى يرد الألفين معًا وما ربح بعدهما فله قسطه منه وبه قال أبو حنيفة ومحمد، وحكي عن مالك أن رب المال بالخيار بين أن يدفع ألفاً آخر تكون هي رأس المال دون الأول وبين أن لا يدفع ويكون الشراء للعامل، وقال ابن سريج: المبيع للعامل والثمن عليه ولا شيء على رب المال على ظاهر ما قاله في "البويطي" لأنه إن كان التلف قبل الشراء فلا إشكال فيه، وإن كان بعده تحول الملك إلى العامل لأنه قد تعذر عليه وزن الثمن من مال رب المال فتحول المبيع إليه قال: ولو كان مثل هذا في الوكيل فيه وجهان أحدهما: ينقلب إلى الوكيل والثمن عليه، ولا شيء على الموكل كما في القراض.
والثاني: يكون للموكل وعليه أن يدفع ألفًا آخر ولم يذكر القاضي الطبري غيره، وقال بعض أصحابنا بخراسان: في مسألة القراض قولان، وقال في "الحاوي": لهذه المسألة مقدمة وهي أنه لو دفع إليه ألفين فتلف أحدهما بعد أن اشترى به [١٣٥/ ب] عرضًا وتلف العرض قبل بيعه فيه وجهان أحدهما: أنه قراض لتلفه بعد التصرف فيه في الابتياع فيكون رأس المال ألفي درهم وعلى العامل أن يجبر الألف التالف، والثاني: الألف التالف لا يكون قراضًا لتلفه قبل كمال التصرف في ببيع ما اشترى به فعلى هذا يكون رأس المال ألف درهم ولا يلزم العامل أن يجبر بالربح الألف التالف لأنه لم يصر قراضًا، فإذا تقرر هذا ففي مسألتنا وجهان أحدهما: الشراء للعامل وهذا على الوجه الذي نقول ما تلف بعد الشراء وقبل البيع خارج من القراض، والثاني: الشراء في القراض وهذا على الوجه الذي نقول: ما تلف بعد الشراء قبل البيع داخل في القراض فعلى هذا يلزم رب المال أن يدفع ألفًا ثانيًا ويصير رأس المال ألفي درهم وعلى العامل جبره بالربح.