لأنه دخل على أن يحصل لعمله عوض، فإن قيل: أليس إذا تلفت الثمرة لا يرجع على الدافع بشيء فكذلك ها هنا قلنا: إذا كان عقد المساقاة صحيحًا فلم تثمر النخل أو أثمرت ثم تلفت فلا أجرة له وها هنا الثمرة باقية سالمة ولكن لا يمكنه أخذ ما شرطه لغرورٍ حصل من الدافع فيرجع بأجرة عمله، وإن كانا قد اقتسما الثمرة وأكلاها فلصاحبها المطالبة بقيمتها وله أن يطالب من يشاء من الغاصب والعامل، فإن أراد مطالبة الغاصب كان له ذلك بجميع قيمة الثمرة لأنه حال بينه وبينها بغصبه وكان هو السبب في حصولها في يده فيلزمه ضمانها، فإذا أخذ منه القيمة رجع الغاصب على العامل بنصف قيمة الثمرة لأنه أخذ النصف بعقد معاوضة وتلف في يده وبان أنه مستحق للغير فيتقرر الضمان عليه ويرجع على الغاصب بأجر مثله عمله، وإن أراد [١٥٠/ ب] صاحبها تضمين العامل ظاهر كلام المزني أن له تضمين نصف قيمة الثمرة وليس له تضمين قيمة الجميع.
واختلف أصحابنا في هذا فمنهم من قال: بظاهر ما ذكره المزني لأن الثمرة لم تحصل في يد العامل بدليل أنه لا يلزمه حفظها كما يلزم العامل في القراض حفظ مال القراض فإذا لم تحصل في يده لم يضمنها وإنما يضمن القدر الذي حصل في يده وهو النصف الذي أخذه بالقسمة فعلى هذا الوجه يجب على العامل ضمان نصف الثمرة، وعلى الغاصب ضمان النصف الآخر، وإن تلفت الأصول أو شيء منها لم يجب على العامل ضمانه لأنه لم يثبت له يد عليه ولكن يجب ذلك على الغاصب وهذا اختيار القاضي الطبري.
ومن أصحابنا من قال: لصاحب الثمرة تضمين العامل جميع قيمة الثمرة لأن الثمرة حصلت في يده من طريق المشاهدة لأنه كان يتصرف فيها ويعمل عليها فيثبت له اليد عليها كالعامل في القراض فعلى هذا إن هلكت أصول النخيل أو شيء منها لزم العامل ضمانه، لأن يده ثبتت عليه وهو اختيار كثير من أصحابنا وهو الأقيس لأن يده كانت مستولية على جميعها حين كانت الثمرة في يده، إذا قلنا: يضمّنه النصف فضمّنه لم يرجع العامل على الغاصب لأنه قبضه بمعاوضة وتلف في يده فاستقر ضمانه عليه على ما ذكرنا، وإن قلنا: يضمنه جميع القيمة فلا يرجع بقيمة النصف الذي قبضه عوضًا عن عمله، وهل يرجع بالنصف الآخر؟ قولان لأنه حصل في يده على أنه أمانة ثم بان أنه ضمان وكان المساقي غرَّه، وإن كانت الثمرة تلفت بآفة سماوية ولم يأكلها بُنيت على الوجهين فإن قلنا: لا يطالب إلا بالنصف فها هنا لا يرجع المستحق عليه بشيء، وإن قلنا: هناك يرجع بالكل فها هنا له الرجوع أيضًا، وإن كانت الثمرة باقية ولكنها نقصت بالجداد والتشميس فلمالكها النقصان وممن يأخذ على ما ذكرنا في كل القيمة.
مسألة: قال: "ولو ساقاه على أنهُ إنْ سقاها بماءٍ سماءٍ أو نهرٍ فلهُ [١٥١/ أ] الثلث".