بعد مسألة الموت: فإذا قيل: فقد انتفع المكري بالثمن قيل: كما لو أسلم في رطبٍ لوقت فانقطع رجع بالثمن فالمزني أوهم بهذا العطف أن هذا السؤال سؤال في مسألة الموت وليس كذلك ولكنه سؤال ألزم نفسه في مسألةَ الانهدام ووجه الإلزام أن المكري في العقد الحال قبض جميع الأجرةَ وانتفع بها؛ فإذا انهدمت الدار وقد بقي نصف المدةَ كيف ينقص المكري، في بعض الثمن وقد كان ملكه على الجمع كاملًا وكان في الجميع متصرفا وبه منتفعًا؛ والجواب أنا حكمنا له بالملك حين سلم الدار فلما انهد مت الدار نقضنا ذلك الملك في وقت الانهدام ومثل ذلك لا يستبعد، ألا ترى أن رجلًا لو أسلم دينارًا في رطبٍ لوقت معلوم وسلم الدينار فقد ملكه بائع الرطب وملك التصرف فيه على الإطلاق والانتفاع به فإذا انقطع الرطب نقضنا ملكه في الدينار، وكذلك لو باع متاعًا غائبًا ببلد ودفع الثمن فهلك المتاع رجع بالثمن وقد انتفع به البائع فعلمنا أن الانتفاع لا يمنع نقض الملك عند وجود ما يوجب النقض قال المزني: هذه المسألةً التي ذكرها الشافعي في بيع الغائب تجويز منه بيع الغائب [١٥٨/ ب] وقد أباه في موضع آخر يقال له: يحتمل أنه صور المسألةَ في غائب تقدمت رؤيته فيكون البيع جائزًا قولًا واحدًا، وإن كان مما لم يره قط كان جوابًا على أحد القولين.
فرع
لو آجر الموقوف عليه أولا ثم مات قال ابن أبي هريرةَ: انفسخ العقد لأن الموقوف عليه ثانيا يأخذه عن الواقف دون العاقد وها هنا الوارث يأخذه عن العاقد ويخلف فيه وهو اختيار القاضي الطبري، ومن أصحابنا من قال: لا تبطل الإجارةَ ذكره أبو حامد وهو القياس.
وقال في "الحاوي": إن كان متوليًا وله حق في غلته لكونه وقفًا عليه أيضًا فآجر ثم مات هل تبطل الإجارةَ؟ وجهان والأصح أنه لا تبطل لأن مؤجره والٍ قد آجره في حق نفسه وحق من بعده بولايته.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: هل للموقوف عليه أن يؤاجر الدار الموقوفةً؟ وجهان أحدهما: لا يجوز إلا أن ينصبه الواقف أو الحاكم قيمًا فيها فينصرف فيها بحكم الولايةَ فأما بحكم أن الغلةً تصرف إليه فلا يؤاجر وهذا على قولنا: إن الملك فيه للواقف أو قلنا: لا مالك له، والثاني: يجوز لأنه المستحق وهذا إذا قلنا: الملك فيه للموقوف عليه فإذا قلنا بهذا فآجره مدةً الغالب فيها سلامته فمات قبل مضي المدةً هل يحكم ببطلان العقد فيما زاد؟ وجهان أحدهما: يبطل، والثاني: لا يبطل بل ينظر إلى حصةُ ما بقي من الأجرةَ فيصرف إلى المستحق الثاني