والثاني: وهو مذهب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز أن يدخل فيه بعينه كما لم يجز أن يدخل في الخاص بعينه، فإذا قلنا: يجوز دخوله فيه على الوجه الأول ففيه وجهان:
أحدهما: أنه حق قائم على التأبيد يخلقه فيه ورثته وورثة ورثته ما بقوا فإذا انقرضوا عاد حينئذٍ على جماعة الفقراء والمساكين.
والثاني: أنه مقدر بمدة حياته فإذا مات عاد إلى الفقراء دون ورثته إلا أن يكونوا من جملة الفقراء وإذا قيل إنه يجوز دخوله فيهم بعينه فهل يكون ما جعله من ذلك لنفسه باقياً على ملكه أم داخلاً في عموم وقفه على وجهين:
أحدهما: أنه باق على ملكه، لأن الوقف بطل فيه وصح فيما سواه.
والثاني: أنه دخل في عموم وقفه, لأن الوقف بقي في الجمع وإنما بطل الاستثناء في الحكم.
فصل:
فلو وقف وقفاً على ولده ثم على ورثة ولده، ثم على الفقراء والمساكين فمات الولد وكان الأب الواقف أحد ورثته فهل يرجع عليه قدر ميراثه منه أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يرجع عليه وهو قول ابن سريج والزبيري.
والثاني: لا يرجع ولا على الباقين من ورثته, لأن الورثة إنما يأخذون منه قدر مواريثهم ولا يأخذون ميراث غيرهم، ويرد على الفقراء ثم ينظر فيما جعله لورثة ولده من بعده فلا يخلو من ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يجعله لهم على قدر مواريثهم فيكون بينهم كذلك.
والثاني: أن يجعله بينهم بالسوية فيكون كذلك يستوي فيه الذكر والأنثى والزوجة والولد.
والثالث: أن يطلق فيكون بينهم بالسوية, لأن الأصل التساوي في العطايا فلم يشترط التفاضل، فلو وقف وقفاً على ورثة زيد، وكان زيد حيا فلا حق فيه لأحد منهم, لأن الحق لا يكون موروثا وإنما يسمى أهله ورثة على طريق المجاز دون الحقيقة وإذا كان كذلك صار وقفاً على أصل معدوم فيكون على ما مضى، ولو كان زيا ميتاً كان ذلك وقفاً صحيحاً على ورثته ثم يكون على الأحوال الثلاث في التساوي والتفضيل.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "وَهِيَ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ الأَثَرةِ وَالتَّقْدِمَةِ"
قال في الحاوي: اعلم أن الوقف عملية يرجع فيها إلى شرط الواقف فإذا وقف أولاده وكانوا موجودين ثم على الفقراء صح الوقف إن كان في الصحة وبطل على أولاده