للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فذلك أبعد لك" ولأن الأملاك المستقرة إنما يتقدر زمانها بحياة المالك، ثم تنتقل بعد موته إلى ورثة المالك فلم يكن ما جعله له من الملك مدة حياته منافياً لحكم الأملاك وإذا لم تنافيه اقتضى أن يصح وإذا صح اقتضى أن يكون موروثاً فأما البيع إذا قال: بعتكها مدة حياتك فهو باطل.

والفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: وهو فرق ابن سريج على هذا الشرط فسخاً منتظراً، والبيع إذا كان فيه منتظر بطل، والهبة، إذا كان فيها فسخ منتظر لم تبطل كهبة الأب، فذلك بطل البيع بهذا الشرط ولم يبطل العمرى بهذا الشرط.

والثاني: وهو فرق أبي إسحاق المروزي أن شرط البيع تقابل جزاء من الثمن فإذا بطلت سقط ما قبلها منه فأقضى إلى جهالة الثمن فلذلك بطل البيع بهذا الشرط وليس في العمرى ثمن يقضي هذا الشرط إلى جهالته فلذلك صحت الشروط.

فأما رواية جابر أنه أعمر عمري له ولعقبه مع باقي الروايات المطلقة التي هي على العموم إذ ليس تتنافى في ذلك فإذا قلنا بقوله في القديم أن التمليك للرقبة لا يصح فإن الميراث فيها لا يستحق فقد اختلف أصحابنا على هذا القول هل يملك المعمر المعطي الانتفاع بها مدة حياته أم لا؟ على وجهين:

أحدهما: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه قد ملك الانتفاع بها مدة حياته وهذا مذهب مالك.

والثاني: وهو الصحيح أنه لا يملك الانتفاع بها، لأن التمليك متوجه إلى الرقبة بما ذكرناه وإذا بطل لم يجز أن ينتقل إلى ملك المنفعة كالبيع الفاسد، فعلى هذا الوجه لو تصدق فيها المعطي وانتفع لم يكن عليه أجره، لأنها مباحة له لأن كل ما لا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد، ولكن لو تلفت في يده كان تلفها من غير فعلي لم يضمن لما ذكرنا وإن كان تلفها بفعله ضمنها؛ لأنه عدوان، وهو غير مالك لها، فهذا حكم قوله "قد جعلتها لك مدة عمرك "وإن قلنا بقوله في الجديد أن العطية صحيحة وأن العمري موروثة فلا رجعة للمعمر المعطي فيها بعد القبض.

فصل:

فأما الحالة الثانية: وهو أن يقول: قد جعلتها لك عمري إشارة إلى عقد العمري من غير أن يقدر ذلك بعمر أحد، ففيها قولان:

أحدهما: وهو قوله في القديم أنها باطلة، للنهي عنها ولا يملك بها المعمر المعطي المنفعة مدة حياته كما لا يملك لرقبته وجهاً واحداً لأننا قد دللنا التمليك بالعمري

<<  <  ج: ص:  >  >>