للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا مواتًا فهي له" فمن أحيا من المسلمين فقد ملكه وإن أحياه ذمي لم يملكه.

وقال أبو حنيفة: يملكه الذمي بالإحياء كالمسلم استدلالًا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا مواتًا فهي له" ولأنها أعيان مباحة فجاز أن يستوي في تملكها المسلم والذمي كالصيد، والحطب، ولأن من صح أن يملك بالاصطياد والاحتطاب صح أن يملك بالإحياء كالمسلم، ولأنه سبب من أسباب التمليك فوجب أن يستوي فيه المسلم والذمي كالبيع.

ودليلنا: قوله تعالى صلى الله عليه وسلم: "الأرض للهِ ورسوله ثم هي لكم" فواجه المسلمين بخطابه وأضاف ملك الموات إليهم فدل على اختصاص الحكم بهم.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب" إشارة إلى إجلائهم حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه من الحجار فلما أمر بإزالة أملاكهم الثابتة فأولى أن يمنعوا من أن يستحبوا أملاكًا محدثة، لأن استدامة الملك أقوى من الاستحداث، فإذا لم يكن لهم الأقوى فالأضعف أولى؛ ولأن من لم يقر في دار الإسلام إلا بجزية منع من الإحياء كالمعاهد، ولأن ما كل يملكه الكافر قبل عقد الجزية لم يملكه بعد عقد الجزية.

أصله: نكاح المسلمة؛ ولأنه نوع تمليك ينافي كفر الحربي فوجب أن ينافيه كفر الذمي كالإرث من مسلم.

فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا مواتًا فهي له" فهو أن هذا لخبر وارد في بيان ما يقع به الملك.

وقوله: "ثم هي لكم مني" وارد في بيان من يقع له الملك فصار المعنى في كل واحد منهما فيما قصد له قاضيًا على صاحبه فصار الخبران في التقدير كقوله: "من أحيا أرضًا مواتًا من المسلمين فهي له".

وأما الجواب عن قياسهم على الصيد والحطب فهو أنه منتفض بالغنيمة حيث لم يستو المسلم والذمي فيها مع كونها أعيانًا مباحة ثم لو سلم من النقص لكان المعنى في الصيد والحطب أن لا ضرر على المسلم فيه إذا أخذه الكافر وليس الإحياء. ولذلك لم يمنع المعاهد من الاصطياد والاحتطاب وإن منع الإحساء فكان المعنى الذي فرقوا به في المعاهد بين إحياءه واصطياده هو فرقنا في الذمي بين إحيائه واصطياده وهو الجواب عن قياسهم والثاني يكون لصغار الذمة فاستغلى على من خالف الملة.

وأما الجواب عن قياسهم على البيع فهو أنه منتقض بالزكاة؛ لأنها بسبب من أسباب التمليك الذي يختص بها المسلم دون الذمي، ثم المعنى في البيع أنه لما جاز أن يملك به المعاهد جاز ان يملك به الذمي ولما لم يجز في الإحياء أن يملك به المعاهد لم يملك به الذمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>