للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إما أن يردها يأمر مالكها أو بغير أمره فإن رد ذلك يغير أمر المالك فقد كان ضامنًا باليد وسقط عنه الضمان بالرد ولا أجرة له سواء كان معروفًا يطلب الضوال ومن لا يعرف.

وقال مالك إن كان معروفًا بطلب الفوال فله أجرة المثل في العبد والبهيمة وإن كان غير معروف بذلك فلا شيء له.

وقال أبو حنيفة إن كان المردود عبدًا أو أمة فله إن رد من مسافة ثلاثة أيام فصاعدًا أربعون درهمًا وإن رده من أقل من مسافة ثلاثة أيام فله أجرة المثل ولا شيء له في رد البهيمة وسواء كان برد النوال معروفة أو غير معروف استدلالًا منهما على اختلاف مذهبيهما بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل لمن رد آبقًا من خارج الحرم دينارًا وروى أصحاب أبى حنيفة تارة موقوفًا على ابن مسعود وتارة هكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رد آبقًا فله أربعون درهمًا".وروي أن رجلًا رد ضالة لرجل فقال الناس لقد حاز أجزًا عظيمًا. فقال ابن مسعود: وله مع ذلك أربعون درهمًا وكان من مسيرة ثلاثة أيام. وروي عن عمر وعلي رضوان الله عليهما أنهما قالا: من رَد آبقًا فله عشرة دراهم، وليس لهم في الصحابة مخالف، فصار ذلك منهما إجماعًا على استحقاق الجعل؛ قالوا: ولأنه حكم موضوع على ما أدى إلى حفظها ورفق أربابها فيها فلو منع الراد لها من جعل يستحقه عليها لامتنع الناس من ردها ولأدى ذلك إلى تلفها ولحوق المشقة الغالبة في طلبها.

ودليلنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه" ولأن المنافع كالأعيان بل أضعف فلما كان لو استهلك أعيانًا في رد ضالة من طعام أو علف لم يستحق به عوضًا فإذا استهلك منافع نفسه، فالأولى أن لا يستحق بها عوضًا.

وتحريره قياسًا أن ما تطوع باستهلاكه في الضوال لم يرجع بعوضه كالأعيان ولأنه لو أوصل المالك إلى ملكه لم يستحق به عوضًا فكذلك إذا أوصل الملك إلى مالكه لم يستحق به عوضًا لتطوعه في كلا الحالين وتحريره أنه جمع بين المالك وملكه تطوعًا فوجب أن لا يستحق به عوضًا كما لو أوصل المالك إلى ملكه. والدليل على مالك خاصة أن من تطوع باصطناع معروف لم يستحق به جعلًا كغير المعروف، ومن الدليل على أبي حنيفة خاصة أن استحقاق الجعل على رد العبد لا يخلو من أن يكون لكونه ملكًا أو لكونه آدميًا فإن كان لكونه ملكًا بطل استحقاقه وذلك لكونه ملكًا لأنه لو رد بهيمة أو لقطة لم يستحق شيئًا، ولم يجز أن يستحق ذلك لكونه آدميًا، (٠) لأنه لو رد صبيًا قد ضاع لم يستحق شيئًا فبطل بهذين أن يستحق في رد العبد شيئًا. قال: أما الجواب عما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكروه من إجماع الصحابة رضي الله عنهم فقد قال أحمد بن حنبل: لم يصح عن

<<  <  ج: ص:  >  >>