للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأجعال أو اختلفت".

قال في الحاوي: أما الجعالة فمن العقود الجائزة دون اللازمة، لما قدمناه من قوله عز وجل، ولمن جاء به. حمل بغير وأنا به زعيم، وهي تفارق الإجارة من ثلاثة أوجه:

أحدها: جواز عقدها على عمل مجهول كقوله: "من جاء بعبدي الآبق فله دينار".وإن كان العبد مجهول المكان وفساد مثل ذلك في الإجارة.

والثاني: أن الجعالة غير لازمة والإجارة لازمة.

والثالث: أنها تصح من غير معين كقوله: "من جاءني بعبدي الآبق فله دينار" وإن لم يعين الجاني به، فأي الناس جاء به فله الدينار. والإجارة لا تصح إلا مع من يتعين العقد عليه، وإنما فارقت الإجارة من هذه الوجوه الثلاثة لأنها موضوعة على التعاون والإرفاق فكانت شروطها أخف وحكمها أضعف.

فصل: فلو قال: من جاءني بعيدي الآبق فله دينار، فأي الناس جاء به استحق الدينار من رجل أو امرأة، حر أو عبد، مسلم أو كافر، صغيرًا أو كبيرًا، عاقلًا أو مجنونًا، إذا كان قد سمع النداء أو علم به لدخولهم في عموم قوله: "من جاءني" فلو جاء العبد بنفسه عند علمه بهذا القول من سيده لم يستحق عليه شيئًا؛ لأن الجعل عليه لا له فلو جاء به من لم يسمع النداء ولا علم به كان متطوعًا يحمله على حكم الأصل فلو علم بالنداء بعد المجيء به وقبل دفعه إلى سيده استحق الدينار؛ لأن السامع للنداء لو جاء به من أقرب المواقع أو أبعدها استحقه، فكذلك فلو أنفق عليه الجاني به في طعامه وشرابه كان متطوعًا بالنفقة، وليس له غير الدينار، فلو جاء بالعيد وهو مريض أو في قبضة حياته استحق الدينار؛ لأنه مبذول على حمله فلو اختلف العبد وحامله، فقال العبد: جئت بنفسي، وقال حامله: بل أنا جئت به، رجع إلى تصديق السيد، فان صدق الحامل لم يعتبر إنكار العبد واستحق الدينار، وإن صدق العبد حلف السيد، دون العبد، ولا شيء عليه، ولو اختلف السيد وحامل العبد فقال السير فلما لم تسمع النداء فلا شيء لك، وقال الحامل: بل سمعته وعلمت به فلي الدينار. فالقول قول الحامل، وله الدينار؛ لأن علمه بالشيء يرجع فيه إليه لا إلى غيره، فلو قال سيد العبد من جاءني بعبدي من سامعي ندائي هذا فله دينار، فجاء به من علم بندائه ولم يسمعه لم يستحق شيئًا، ولو قال الجائي به، سمعت النداء وقال السيد: لم تسمعه فالقول قول الجاني به أيضًا.

فصل: فلو أمر السيد عبده فنادى: من جاء بعبدي فلان فله دينار كان نداء المنادي كنداء السير في وجوب الدينار عليه لحامل عبده فلو أنكر السير أمر المنادي بذلك فالقول قوله مع يمينه ثم ينظر في المنادي فإن قال في ندائه إن فلانًا قال من جاءني بعبدي فله دينار فلا شيء على المنادية لأنه جاهل وإن كان قد قال من جاء بعبدي فلان فله دينار فعلى المنادي دفع الدينار لأنه لا فرق بين أن ينزل ذلك من مال نفسه أو من مال غيره إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>