للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: ٣٢] على قولين:

أحدهما: يعني: للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنساء نصيب منه، لأن الجاهلية لم يكونوا يورثوا النساء، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: للرجال نصيب من الثواب على طاعة الله والعقاب على معصية الله، وللنساء نصيب مثل ذلك في أن للمرأة بالحسنة عشر أمثالها، ولا تجزئ بالسيئة إلا مثلها كالرجل وهذا قول قتادة.

فصل: وكان المسلمون قبل الهجرة إذا حضر أحدهم الموت قسم ماله بين أهله وأقاربه ومن حضره من غيرهم كيف شاء وأحب، ميراثًا ووصية، وفيه نزل قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى المُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠]، واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: ٢٦] قولين:

أحدهما: أنهم قرابة الميت من قبل أبيه ومن قبل أمه فيما يعطيهم من ميراثه، والمسكين وابن السبيل فيما يعطيهم من وصيته، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قول علي بن الحسن والسدي، ثن توارث المسلمون بعد الهجرة بالإسلام، فكان إذا ترك المهاجر أخوين أحدهما مهاجر والآخر غير مهاجر كان ميراثه للمهاجرون من لم يهاجر، ولو ترك عمًا مهاجرًا وأخًا غير مهاجر كان ميراثه للعم دون الأخ.

قال ابن عباس: وفي ذلك نزل قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهَاجَرُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوا ونَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢] قال ابن عباس: ثم أكد الله تعالى بقوله: {إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: ٧٣] يعني: أن لا تتوارثوا بالإسلام والهجرة فكانوا على ذلك حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والْمُهَاجِرِينَ إلاَّ أَن تَفْعَلُوا إلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: ٦] يعني: الوصية لمن لم يرث {كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: ٦] وفيه تأويلان:

أحداهما: كان توارثكم بالهجرة في الكتاب مسطورًا.

والثاني: كان نسخة في الكتاب مسطورًا.

فصل: ثم إن الله تعالى فرض المواريث وقدرها وبين المستحقين لها في ثلاث آي من سورة النساء، نسخ بهن جميع ما تقدم من المواريث، فروى داود بن قيس عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله. إن سعدًا هلك وترك بنتين وقد أخذ عمهما مالهما فلم يدع لهما مالاً إلا أخذه، فما ترى يا رسول الله؟ فوالله لا ينكحان أبدًا وإلا ولهما مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقضي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>