والثاني: أن ما حيز به الميراث من جهة الأب جاز أن يحاز به من جهة الأم كالولادة.
ودليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولي رجل ذكر".وقد فرض الله تعالى للأم الثلث فلا يجوز أن يزاد عليه. وروى الزهري عن شريك بن سحماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين الزوجين وكانت حاملًا فانتفى من ولدها فكان يدعى إليها ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله تعالى لها. وهذا نص ولأن كل من أدلى بمن لا تعصيب له لم يكن له تعصيب كابن العم للأم؛ لأنها قرابة بعتق يقدم عليها المعتق فلم يستحق بها الإرث كالرضاع، ولأن كل من أحرز معه المولى المعتق جميع التركة لم يستحق الإرث بالقرابة كالعبد الكافر، ولأن التعصيب قد يعدم بالموت مع معرفة النسب كما يعدم باللعان للجهل بالنسب فلما كان عدمه بالموت لا يوجب انتقاله إلى الأم وجب أن يكون عدمه باللعان لا يوجب انتقاله إلى الأم وتحريره قياسًا أن عدم التعصيب من جهة لا يوجب انتقاله إلى غير جهته كالموت، ولأن الأم لو صارت عصبة كالأب لوجب ان تحجب الإخوة كما يحجبهم الأب، وفي إجماعهم على توريث الإخوة لوجب معها دليل على عدم تعصيبها، ولأن استحقاق العصبة للميراث في مقابلة تحملهم للعقل وولاية النكاح فلما لم تعقل عصبة الأم ولم يزوجوا لم يرثوا.
وتحريره قياسًا أن ما تفرع من النسب لم يثبت إلا بثبوت النسب قياسًا على العقل.
فأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب فهو أنه مرسل؛ لأن له جدين: الأول منهما تابعي، والثاني: صحابي، فإذا لم يعين أحدهما لحق بالمرسل فلم يلزم الاحتجاج به على أنه محتمل أنه جعل ميراثه لأمه إذا كان لها عليه ولاء ثم لورثته ولائها من بعدها وبمثله يجاب من حديث واثلة بن الأسقع، أو يحمل على أنها تحوز ميراثه وهو قدر فرضها، ويستفاد به أن لعانها عليه لا يؤثر في سقوط ميراثها منه.
أما حديث داود بن أبي هند فمرسل ثم لا دليل فيه؛ لأنهم سألوا عن ولد الملاعنة لمن قضى به قالوا: قضى به لأمه هي بمنزلة أبيه وأمه في كفالته والقيام بحضانته؛ لأنه لم يجز للميراث فيه ذكر.
وأما قياسهم على الولاء فالمعنى فيه أنه قد يثبت من جهة الأم كثبوته من جهة الأب وهو من جهة الأم أقوى وخالف النسب الذي لا يثبت إلا من جهة الأب فكذا ما تفرع عنه من التعصيب.
فصل: فإذا تقرر م وصفنا ومات ابن الملاعنة فترك أمه وخالًا فعلى قول أبي حنيفة