فإن وصى بثلثه لغير قرابته فقد اختلفوا: فقال طاوس: يرد الثالث كله على قرابته. وقال قتادة: يرد ثلث الثلث على قرابته، وثلثا الثلث لمن أوصى له به.
وقال جابر بن زيد: رد ثلثا الثلث على قرابته وثلث الثلث لمن أوصى به. واختلفوا في قدر المال الذي يجب عليه أن يوصي منه على أقاويل:
أحدها: أنه ألف درهم، وتأولوا قوله تعالى: {إن تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] ألف درهم، وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثاني: خمس مائة، وهذا قول النخعي.
والثالث: يجب في قليل المال وكثيره وهو قول الزهري. فهذا قول من جعل حكم الآية ثابتًا. وذهب الفقهاء وجمهور أهل التفسير إلى أنها منسوخة بالمواريث. واختلفوا بأية أي نسخة؟ فقال عبد الله بن عباس: نسخت بآية الوصايا بقوله تعالى: {لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] وقال آخرون: نسخت بقوله تعالى: {وأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] وسنذكر دليل من أثبتها ومن نسخها فيما بعد.
ثم قال: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢]. وأصل الجنف في كلام العرب: الجور والعدل عن الحق. ومنه قول الشاعر:
هم المولى وقد جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور
وفي تأويل قوله تعالى: جنفًا أو إثمًا ثلاثة أقاويل:
أحدهما: أن الجنف: الميل، والإثم، أن يأثم في إثره بعضهم على بعض وهذا قول عطاء وابن دريد.
والثاني: أن الجنف: الخطأ، والإثم: العمد.
والثالث: أن الرجل يوصي لولد بنيه، وهو يرد بنيه، وهذا قول طاوس.
واختلفوا في تأويل قوله تعالى: {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إثْمَ} [البقرة: ١٨٢] على أربعة أوجه:
أحدهما: أنه تأويلها فمن حضر مريضًا وهو يوصي عند إشرافه على الموت فخاف أن يخطئ في وصيته، فيفعل ما ليس له، أو يعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته، بأن يأمره بالعدل في وصيته، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أن تأويلها فمن خاف من أوصياء الميت جنفًا في وصيته التي أوصى بها الميت، فأصلح بين ورثته، وبين الموصى لهم، فيما أوصى لهم به، فيرد الوصية إلى العدل والحق، فلا إثم عليه، هذا قول ابن عباس وقتادة.
والثالث: أن تأويلها فمن خاف من موصٍ جنفًا أو إثمًا في عطيته لورثته عند حضور