ملك معطيها فأشبهت الهبات قبل القبض، وإنما ليس له الرجوع في عطايا مرضه لزوال ملكه.
ثم الرجوع في الوصية يكون بقول أو دلالة على ما سنذكره.
وإذا كان حكم الوصية جاريًا على ما ذكرناه فصورة مسألتنا هذه في رجل أوصي بعبده لزيد ثم أوصي به لعمرو فقد اختلف الناس في حكم ذلك على أربعة مذاهب:
أحدها: وهو مذهب داود أنه يكون وصية للأول دون الثاني كالبيع والنكاح.
والثاني: وهو مذهب الحسن وعطاء وطاوس أنه يكون وصية للثاني دون الأول، لأنه بالرجوع أشبه.
والثالث: وهو مذهب أبي عبد الرحمن الشافعي أن الوصية بها باطلة لا تصح واحد منها لإشكال حالهما.
والرابع: وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة:
أنها تكون وصية لهما فتجعل بينهما نصفين.
وهكذا لو أوصي به لثالث، جعلناه بينهم أثلاثًا. ولو أوصي به لرابع جعلناه بينهم أرباعًا.
والدليل على ذلك: ثلاثة معاني:
أحدها: أنه لما كان قوله في وقت واحد قد أوصيت بعبدي هذا لزيد وأوصيت به بعمر كان بينهما إجماعًا فوجب أن يتراخي بين الوصيتين وأن يكون بينهما حجابًا إذ لا فرق بين اقتران الوصيتين وبين اقترانهما.
والثاني: أنه لما كان لو أوصي بثلث ماله لزيد ثم أوصي بعد زمان بثلث ماله لعمرو وأن الثلث إذا لم تجز الورثة بينهما كذلك يكون للعبد بينهما في الوصية.
والثالث: أنه قد يجوز أن تكون الوصية الثانية رجوعًا، ويجوز أن تكون لنسيان الأولى، ويحتمل أن يقصد بها التشريك بين الأول والثاني فوجب أن يحمل مع هذا الاحتمال على التشريك بينهما لاستوائهما في الوصية لهما، وليس يلزم في الوصايا المطلقة تقديم الأول على الثاني، ولا الثاني على الأول، وإنما يلزم ذلك في العطايا الناجزة.
فصل: وإذا كان لرجل جارية حامل فأوصي بها لرجل ثم أوصي بعد ذلك بحملها لآخر فالجارية تكون للأول والولد يكون بين الأول والثاني.
وإنما كان كذلك، لأنه لما أوصي بالجارية للأول كان يحملها داخلًا في الوصية تبعًا، فلما أوصي بالحمل للثاني صار موصيًا به لهما، فكان بينهما، وهكذا لو ابتدأ فأوصي بحملها لرجل ثم أوصي بها لاآخر كان الحمل بينهما والجارية للثاني منهما لما