كان معها وجع كان مخوفًا وذلك مثل البرسام أو الرعاف الدائم أو ذات الجنب أو الخاصرة أو القولنج ونحوه فهو مخوف».
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن عطايا المرض المخوف من الثلث كالوصايا، وإن تقدمت عليها فالمرض المخوف، هو الذي لا تتطاوله بصاحبه معه الحياة. وقال أهل العراق: المخوف هو من المضني، المضعف عن الحركة الذي يصير به الإنسان صاحب فراش، وإن تطاول به أجله، وهذا خطأ عندنا، لأن ما تطاول بالإنسان فهو مهلته، وبقية أجله، لأن الموت طارئ على كل حي وإن صح، وإنما يختلف حاله فيما تعجل به الموت وجاء.
وقد قال تعالى:{إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ}[البقرة: ١٨٠]. والحاضر ما كان قريبًا منه لا ما بعد. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم».
فصل: فإذا تقرر أن المخوف ما جاء وعجل، فالأمراض كلها على أربعة أقسام:
أحدها: ما كان غير مخوف في الابتداء والانتهاء كوجع الضرس ورمد العين، وحرب اليد، فعطاياه من رأس ماله، فإن مات فبحدوث غيره.
والثاني: ما كان مخوفًا في الابتداء والانتهاء كالبرسام، وذات الجنب، والحاضرة، فعطاياه فيه من ثلثه، فإن صح فيه أو قتل أو مات تحت هدم، بان أنه كان غير مخوف فيكون عطاياه فيه من رأس ماله.
والثالث: ما كان في ابتدائه غير مخوف، وفي انتهائه مخوفًا كالحمي، والسل، فعطيته في ابتدائه من رأس المال وفي انتهائه من ثلثه.
والرابع: ما كان في ابتدائه مخوفًا وفي انتهائه غير مخوف كالفالج يكون في ابتدائه عند غلبة البلغم عليه مخوفًا فإذا انتهي بصاحبه حتى صار فالجًا فهو غير مخوف؛ لأنه قد يدون بصاحبه شهرًا والله أعلم.
فصل: وإذا تقرر ما مهدناه من أصول الأمراض فسنذكر من تفصيلها ما يكون مثالًا لنظائره فمن ذلك الحمي، فهي يوم أو يومان أو ثلاثة أيام غير مخوف، لأنها قد تكون من تعب الإغماء وظهور الحمي وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى:{وإن مِّنكُمْ إلاَّ وارِدُهَا}[مريم: ٧١] إنها الحمي.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«الفيح الحمي من فيح جهنم فأبردوها بالماء». فإن استمرت بصاحبها فهي مخوفة، لأنها تدفن القوة التي هي قوام الحياة، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الحمي دابر الموات، وهي هجرة الله تعالى في أرضه، يحبس عبده بها