المسجد فتشاوروا، فقال بعضهم: نضرب بالناقوس. وقال آخرون: تلك علامة النصارى لا نريده. وقال بعضهم: نضرب بالبوق، فقال آخرون: تلك علامة اليهود لا نريده. وقال بعضهم: نوقد النار بالليل وندخن بالنهار، فقال آخرون: تلك علامة المجوس لا نريده ولا ندخل النار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تفرقوا مهتمين لهذا الشأن، ثم جاء عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد، وقال: كنت بين النائم واليقظان إذ نزل ملك من السماء عليه ثياب خضر بيده قوس، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: أضرب به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟. قلت: بلى، فاستقبل القبلة، فقال: الله أكبر، الله أكبر، وذكر الأذان ثم صعد جذم حائط فأقام مثل ذلك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «حق إن شاء الله، ألقه على بلال، فإنه أندى منك صوتاً»، فقلت: يا رسول الله [١٨ ب/٢]، ائذن لي أن أؤذن مرة، فأذن فأذنت، فلما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوتي خرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأى، فقال: الحمد لله، فذاك أثبت ثم أتاه بضع عشرة من الصحابة كلهم رأوا مثل ذلك إلا أنه نسب إلى عبد الله بن زيد، لأنه كان أول من أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أول من أذن في الإسلام.
قال ابن عمر ابن أنس الأنصاري: نزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذٍ مريضاً لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً. وروي أن عمر رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:«لم لم تخبرنا به؟» فقال: سبقني به عبد الله بن زيد فاستحييت وروى أبو داود بإسناده عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال: ائتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القمع يعني الشبور فلم يعجبه ذلك. وقال: هو من أمر اليهود، قال: فذكر له الناقوس. قال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهو (مهتم) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدى الأذان في منامه فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا بلال، قم فانظر ما أمرك به عبد الله بن زيد فافعله»، فأذن بلال.