والوجه الثاني: وهو المذهب: أنهم سواء لا يتقدمون على الترتيب لوقوع ذلك بالموت الذي يتماثلون فيه.
فإن عجز الثلث عنهم، ولم يتسع لجميعهم ففيه وجهان: أحدهما: وهو المذهب: أنه يقرع بينهم، ويعتق منهم من احتمله الثلث، ويسترق من عجز عنه. والوجه الثاني: أنه يعتق من كل واحد منهم قدر ما احتمله الثلث، ويسترق باقيه، ولا يقرع بينهم في تكميل الحرية.
فإن احتمل الثلث نصف قيمتهم عتق من كل واحد نصفه، ورقه نصفه، وإن احتمل الثلث ربع قيمتهم عتق من كل واحد ربعه، ورق ثلاثة أرباعه اعتباراً بالوصايا، والأول أصح لفرق ما بين العتق والوصايا.
والضرب الثالث: أن يكون عتقه مشتملا على وصية بالعتق، وعلى تدبير يتحرر بالموت، ففيه قولان:
أحدهما: يقدم التدبير على العتق، لتقدم نفوذه بالموت، فإن استغرق الثلث بطل به عتق الوصية.
والقول الثاني: وهو الظاهر من المذهب: أنهما سواء، لأن عتق جميعهم مستحق بالموت، فإن ضاق الثلث عن جميعهم أقرع بينهم، وفي القرعة وجهان: أحدهما: يفرد كل فريق، ويقرع بين عتق التدبير، وعتق الوصية، فإذا وقعت قرعة العتق على أحدهما، وقد استوعب الثلث عتق ورق الفريق والآخر وصية كان أو تدبيرًا. والوجه الثاني: يجمع في القرعة بين الفريقين واستوعب بالثلث من وقعت القرعة عليه من كل واحد من الفريقين، ورق من عداه من الفريقين.
وأما القسم الثاني: في اشتمال الوصية على العطايا دون العتق، فجميع أهلها يتحاصون في الثلث إذا ضاق عنها، يستوي فيه من تقدمت الوصية له ومن تأخرت، وسواء كان هبة أو محاباة، وأحسب أبا حنيفة يوافق على هذا، ويستهمون في الثلث على قدر وصاياهم إذا اختلفت مقاديرهم، فإن رد بعضهم الوصية توفرت على الباقين في زيادة حقوقهم، ولم يقدم بعضهم بالقرعة على بعض بخلاف العتق الموجب لتكميله بالقرعة في بعضهم، لما قدمنا من الفرق بينهما.
ولهذا الفصل أحكام قد تقدم ذكرها في الوصايا، وما حدث من نتاج ماشية أو ثمار نخيل أو كسب عبيد قبل موت الموصي تركة يتسع لها الثلث في تنفيذ الوصايا، وما حدث بعد موته للورثة لا يتسع لها الثلث في حقوق أهل الوصايا. وأما في قضاء الديون منها إذا ضاقت التركة عنها، ففيه وجهان: أحدهما: وهو مذهب الشافعي: لا تقضى منها الديون كما لم تنفذ منها الوصايا. والوجه الثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري: تقضى منها الديون، وإن لم تنفذ منها الوصايا لحدوثها عن التركة المستحقة في الديون بخلاف الوصايا، لأن الورثة شركة في الوصايا بالثلثين، وليس لهم شركة في الدين.