ولو شهد الأجنبيان بعتق سالم في المرض، وشهد الوارثان بعتق غانم وصية بعد الموت، وليس بينهما تكاذب عتق سالم، ورق غانم، لأن عتق المرض مقدم على عتق الوصية، وكان للوارثين أن يسترقا من شهدا بعتقه في الوصية لعجز الثلث عنه.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: «ولو قال لعشرة أعبد له أحدكم حر سألنا الورثة فإن قالوا لا نعلم أقرع بينهم وأعتق أحدهم كان أقلهم أو أكثرهم».
قال الماوردي: وإطلاق قوله: لعشرة أعبد له، أحدكم حر، ولم يسمه ينقسم قسمين:
أحدهما: أن يقصد بإطلاقه تعيين العتق في أحدهم، فهو الحر من بينهم، ويرجع إليه في بيانه منهم، فإن بينه، فقال: هو سالم عتق، وكان بيانه خبرا، ورق من سواه.
فلو قال: هو سالم أو غانم رق من سواهما، وأخذ ببيان من أراده منهما. ولو قال: هو سالم لا بل غانم عتقا معا، لأنه صار راجعًا عن سالم، وقمرا بغانم فلزمه إقراره، ولم يقبل رجوعه، ورق من عدا سالما وغانما من عبيده، فإن أكذبه أحدهم، وادعى أنه هو المعين بالعتق أحلف له السيد، وكان على رقه، وإن نكل السيد ردت اليمين على العبد، فإذا حلف عتق، فإن فات بيان السيد حتى مات رجع بعده إلى بيان ورثته إن كان عندهم بيان، وقام بيانهم مقام بيانه، لأنهم في ماله بمثابته، وإن لم يكن عند الورثة بيان، فمذهب الشافعي أنه يقرع بينهم، ويعتق من قرع منهم، ويسترق باقيهم، لأن القرعة موضوعة لتمييز الحرية من الرق. وذهب أصحابه إلى المنع من القرعة، وتوقفهم على بيان قاطع، لن دخول القرعة يفضي إلى رق من أعتقه، وعتق من أرقه، وهذا فاسد، لأن البيان فائت، ووقوف أمرهم مضر بالحر في حق نفسه، ومضر بالأرقام في حقوق الورثة، فلم ينتف الضرر في الجهتين إلا بالقرعة.
والقسم الثاني: أن يبهم العتق فيهم، ولا يقصد تعيينه في أحدهم، فيؤخذ بتعيينه، ويكون في التعيين على خياره، فإذا عينه في أحدهم عتق، ورق من سواه، وسواء كان أكثرهم قيمة أو أقلهم، فلو ادعى غيره التعيين لم تسمع دعواه، لنه في هذا التعيين مخبر وليس بمخير، فلو قال عند التعيين: هو سالم لا بل غانم عتق سالم دون غانم بخلافه في القسم الأول، لأن هذا تخيير في تعيين عتق قد لزم، فإذا عينه في الأول سقط خياره في الثاني، وليس كذلك حكمه في القسم الأول، لأنه إخبار لا خيار له فيه، فلم يسقط حكم خبره في واحد منهما، فإن فات تعيينه للعتق بموته، فقد اختلف أصحابنا: هل يقوم ورثته مقامه في التعيين؟ على وجهين: أحدهما: يقومون مقامه فيه، ولهم أن يعينوا ما أبهمه من العتق فيمن أرادوا، لأنهم يقومون مقامه في حقوق الأموال. والوج الثاني: لا حق لهم في تعيين ما أبهمه، لأن تعيين المبهم موقوف على خيار المعتق بحسب غرضه، وهذا معدوم في ورثته، فعلى هذا يعدل إلى تعيينه بالقرعة، ويعتق منهم من قرع.