للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحلف وإنما فيه أن القوم رغبوا في بيعها فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأذن لعائشة في إمضائه وكانوا جاهلين بحكم الدين في الولاء لا يكون إلى لمعتق فطمعوا أن يكون الولاء لهم بلا عتق فلما عقدوا البيع وزال ملكهم إلى عائشة فأعتقها صار الولاء لها لأن الولاء من حقوق العتق، فلما تنازعوه قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبين أن الولاء في الشرع للمعتق، وقوله: اشترطي لهم الولاء لم يذكره أبو داود وإن صحت فتأويلها: لا تبالي بما يقولون، فإن الولاء لا يكون إلا للمعتق، وليس ذلك على أن يشترط لهم ذلك قولا بل على معنى لا تلتفتي إليه، فإنه لغو من الكلام، وكان المزني يتأوله، فيقول قوله: اشترطي لهم الولاء، أي اشترطي عليهم كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: ٢٥] أي عليهم.

وأما قوله: بيع المكاتب لا يجوز ففي الخبر ما يدل على أنها كانت عجزت عن أداء نجومها ورضيت بأن تباع وبيعها يكون فسخًا للكتابة. وقوله: ما بال أقوام يشتطرون شروطا ليست في كتاب الله تعالى يريد ليست على حكم الله تعالى، وعلى موجب قضاياه، ولم يرد به ليست في كتاب الله نصًا فإن أكثر الشروط الجائرة ليست في كتاب الله نصًا. وروي هذا الخبر، أنه قال: اشتريها وأعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الثمن.

وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين فيه.

واعلم أن الولاء يشتمل ثلاثة أحكام أحدها: الميراث والثاني: تحمل العقل، والثالث: الولاية في عقد النكاح والصلاة على الميت، [٩/ أ] وقد ذكرنا هذا فيما تقدم. واعلم أنه لا يجوز بيع الولاء وهبته. وبه قال جمهور العلماء، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم. وقال عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والشعبي والنخعي: يجوز بيع الولاء وهبته والوصية به واحتجوا بما روي عن عمرو بن دينار أنه قال: وهبت ميمونة بنت الحراث زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاء سليمان بن يسار لابن عباس رضي الله عنها، وكان مكاتبًا لها وابن عباس ابن أختها، ودليلنا، ما روى ابن عمر رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وهبته. وقال محمد بن زياد كانت العرب تبيع ولاء مواليها وتأخذ عليه المال وأنشد في ذلك:

فباعوه مملوكًا وباعوه معتقًا وليس له حتى الممات خلاص

فنهاهم عن ذلك وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تولى غير مواليه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»،وأما ما رووه فلا يصح لأن الزهري أنكره. وقال علي رضي الله عنه: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب»، أقروه حيث جعله الله. وقال ابن مسعود

<<  <  ج: ص:  >  >>