يتراجعان. واختلف أصحابنا في المسألة على طرق، أحدها: قال ابن سريج: الصحيح ما نقله الربيع لأنه يعتق بكتابة فاسدة، فلا بد من التراجع، وما نقله المزني كان في الأصل ويرجع أحدهما على الآخر فزاد الناقل لا بالغلط، وقال أبو إسحاق: الصحيح ما نقله المزني أنه لا تراجع لأن التراجع إنما يكون في عقد فاسد يقتضي الضمان والعقد مع المجنون ليس بعقد، ولا هو من أهل الضمان فصار كما لو كاتب صبيا فأدى المال وعتق لا يثبت التراجع وأما التأويل الذي ذكره ابن سريج، فلا يصح لمعنيين، أحدهما: أنه لو أراد التراجع لقال، ولا يتراجعان ولا يحتاج إلى أن يقول ويرجع كل واحد منهما، والثاني: أنه قال بشيء ولا يصح أن يقول ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بشيء، وقيل: قال أبو إسحاق: ما نقل الربيع أراد إذا عقد معه وهو عاقل ثم جن ولفظه في «الأم»، ولو خبل المكاتب فأداها إلى سيده عتق ونصب الحاكم أمينا، [٦١/ ب] ويتراجعان كما لو كان العقد صحيحا يرجع لأن كتابة المخبول كتابة فاسدة، ولم يرد به أنه يثبت له أحكام الفاسد مع العاقل في التراجع إذا كاتبه وهو مجنون، والذي نقل المزني أراد أنه إذا كاتبه وهو مجنون. والفرق ما ذكرنا، وهذه الطريقة أصح، وقال القاضي أبو حامد من أصحابنا من قال: فيه قولان. قال القفال: والفرق بينه وبين الصبي أن المجنون عارض فهو كعارض شرط فاسد بخلاف الصبي، ومن أصحابنا من سوى بين الصبي والمجنون في التراجع.
فرع
لو دفع المال إلى سيده في حال جنون السيد في الكتابة الصحيحة لا يعتق به لأنه لا حكم لقبضه، ثم إذا دفع مرة أخرى إلى الولي عتق ثم إن وجدن عين ماله في يد السيد استرد، وإن كان قد أتلف لا يرجع عليه بضمانه أبدًا، ذكره القفال.
مسألة: قال: «ولو كاتبه كتابة صحيحة، فمات السيد وله وارثان».
الفصل
قال أصحابنا: قال الشافعي: ولو كاتبه صحيحة إذ لو عرفنا ذلك ما قبلنا قول من يقول لم يكاتب، وإنما قال لو مات رجل وخلف ابنين وعبدًا فادعى العبد أن أباهما كاتبه فصدقه أحد الابنين.
واعلم أن الشافعي ذكر في «الأم» مسألتين، نقل المزني الثانية، وترك الأولى لسهولتها فالأولى ما ذكرنا من الصورة، ولكن الاثنان كلاهما، فالقول قولهما لأن الأصل عدم الكتابة ويكون يمينهما على نفي العلم لأنه يمين على فعل الغير فإن حلفا برءا وإن نكلا عن اليمين ردت اليمين على العبد، فإذا حلف يحكم بصحة الكتابة [٦٢/ أ].