ما جرى به العرف من المعروف الحسن، وليس من المعروف الحسن أن تنكح نفسها بغير ولي.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها". فقد مرّ الجواب عنه أن لأهل اللغة في الأيم قولين:
أحدهما: التي لا زوج لها بكرًا كان أو ثيبًا، وإن لم تنكح قط يقال: امرأة أيم إذا كانت خلية من زوج، ورجل أيم إذا كان خليًا من زوجة.
والقول الثاني: أنها لا يقال لها أيم إلا إذا نكحت ثم خلت بموت أو طلاق بكرًا كانت أو ثيبًا، ومنه قول الشاعر:
فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكَحَ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي يَدَا الدَّهْرِ مَا لَمْ تَنْكحِي أَتَأَيَّمُ
فأما الأيم في هذا الخبر فالمراد بها الثيب من الخاليات الأيامى دون الأبكار لأمرين:
أحدهما: أنه قد روى: "الثيب أحق بنفسها من وليها".
والثاني: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم لأن المعطوف عليه وليس غير البكاء إلا الثيب فلهذا عدل بالأيم عن حقيقة اللغة إلى موجب الخبر. فإذا تقررت هذه المقدمة فعن الخبر ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنها أحق بنفسها في أنها لا تجبر إن أبت ولا تمنع إن طلبت تدل تفردها بالعقد من غير شهود.
والثاني: أنه جعل لها وليًا في الموضع الذي جعلها أحق بنفسها فوجب أن لا يسقط ولايته عن عقدها ليكون حقها في نفسها وحق الولي في عقدها فيجمع بين هذا الخبر وبين: "لا نكاح إلا بولي" في العقد.
والثالث: أن لفظة "أحق" موضوعة في اللغة للاشتراك في المستحق إذا كان حق أحدها فيه أغلب كما يقال زيد أعلم من عمرو وإذا كانا عالمين. وأحدهما أفضل وأعلم ولو كان زيد عالمًا وعمرو جاهلًا لكان كلامًا مردودًا لأنه لا يصير بمثابة قول العالم أعلم من الجاهل. وهذا الفرد إذا كان ذلك موجبًا لكل واحد منهما حق وحق الثيب أغلب. فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد.
وأما قوله: "ليس للولي مع الثيب أمرًا" فالأمر هو الإجبار والإلزام وليس للولي إجبار الثيب وإلزامها ولا يقتضي ذلك أن ينفرد بالعقد دون وليها ولا تنفرد به دون الشهود. فأما حديث المرأة التي زوجها أبوها فرواية عكرمة ابن فلان. فإن كان مولى ابن عباس فهو مرسل الحديث لأنه تابعي ولم يسنده والمرسل ليس بحجة وإن كان غيره فهو مجهول