فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه وفي تركه أن يقول لخنساء "إلا أن تشائين أن تحيزي ما فعل أبوك" دلالة على أنها لو أجازته ما جاز والبكر مخالفة لها لاختلافهما في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانا سواء كان لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أحق بأنفسهما. وقالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين ودخل بي وأنا ابنة تسع وهي لا أمر لها وكذلك إذا بلغت ولو كانت أحق بنفسها أشبه أن لا يجوز ذلك عليها قبل بلوغها كما قلت في المولود يقتل أبوه ويحبس قاتله حتى يبلغ فيقتل أو يعفو".
قال في الحاوي: وهذا كما قال, النكاح الموقوف لا يصح ولا يقع إلا على إحدى حالتين من صحة أو فساد, سواء كان موقوفًا على إجازة الزوجة أو الزوج أو الولي, وكذلك البيع لا يصح أن يعقد موقوفًا على إجازة البائع أو المشتري, وقال أبو حنيفة: يصح النكاح الموقوف على إجازة الزوجة أو الزوج أو الولي ويصح البيع الموقوف على إجازة البائع دون المشتري, واستدل بما روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن أبي - ونعم الأب- هو زوجني بابن أخ له أراد أن يرفع بي خسيسته, فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قد اخترت ما فعل أبي, وإنما أردت لتعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء, فلما خيرها والخيار لا يثبت في اللازم ولا في الفاسد دل على أنه كان موقوفًا على خيارها وإصابتها, قال: لأنه لما جاز أن تكون الوصية, بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الوارث, واللقطة إذا تصدق بها الواحد موقوفة على إجازة المالك, لكون المجيز لهما موجودًا, جاز أن يكون النكاح, موقوفًا على إجازة من يكون في حالة الوقف موجودًا, وتحريره قياسًا أن كل ما كان محيزه موجودًا جاز أن يكون على إجازته موقوفًا كاللقطة, والوصية. قال: ولأنه لما جاز أن يكون موقوفًا على الفسخ جاز أن يكون موقوفًا على الإجازة, وتحريره قياسًا: أنه أحد نوعي الاختيار فجاز أن يكون العقد موقوفًا عليه كالفسخ. قال: ولأن حال العقد بعد كماله أقوى من حاله قبل كماله, فلما جاز أن يكون قبل كماله موقوفًا بعد البذل على إجازة القبول, فأولى أن يكون بعد كماله موقوفًا على الإجازة.
وتحريره: أنه أحد حالتي العقد فجاز أن يكون موقوفًا على الإجازة كالحال الأولى.
ودليلنا: حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بعد إذن وليها فنكاحها باطل" فلو صح بالإجازة لوقفه على إجازة الولي, ولما حكم بإبطاله. وحديث خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت فرد رسول الله عليه الصلاة والسلام نكاحها, ولم يقل إلا أن تشاء أن تجيزي ما فعل أبوك مع حثه على طاعة الآباء, فدل على أنها لو أجازته لم يجز, ولأن عقد المنكوحة إذا لم تصر المرأة به فراشًا كان