فإن تشاجروا أو طلب كل واحد منهم أن يكون هو المتولي للعقد أن يتراجع منهم عند التشاجر بالسن والعلم أحد، وكانوا مع اختلافهم في ذلك سواء؛ لأن كل صفة لم تكن شرطا في الولاية مع الانفراد لم يترجح بها أحدهم عند الاجتماع، كالمخالطة والجوار طردا وكالعدالة عكسا. وإن كان كذلك وجب الأقرع بينهم ليتميز بالقرعة أحدهم؛ لأن ما اشتركت الجماعة في موجبه ولم يكن اشتراكهم في حكمة تميزا فيه بالقرعة، كما يقرع بين أولياء القصاص فيمن يتولاه منهم وبين أولياء الطفل فيمن يكلفه من بينهم فإذا قرع بينهم كان قرع منهم أولاهم بالعقد أو يتولاه أو أن يأذن لغيرة فيه. وهل يصير أولى به استحقاقا أو اختيارا؟ على وجهين:
أحدهما: أنه يصبر أولى به من طريق الاستحقاق لترجحة بالقرعة على من سواه. فعلى هذا إن أذن لغيرة فيه كان نائبا عنه، وإن تولاه غيرة من الجماعة بغير إذنه كان النكاح باطلا.
والثاني: أنه أولى به من طريق الاختيار ليكافئ الجماعة في الاستحقاق فعلى هذا إن أذن لغيره فيه كان تاركا لحقه والمتولي له قائم فيه بحق نفسه، وإن تولاه غيره من الجماعة بغير إذنه كالنكاح كان جائزا.
مسألة:
قال الشافعي:"وإن كان غير كفء لم يثبت إلا باجتماعهم قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه".
قال في الحاوي: وإذا رضيت المرأة لنفسها رجلًا ودعت أوليائها إلى تزويجها به لم يخل حال الرجل من أن يكون كفؤًا لها أو غير كفء فإن كان كف لزمهم تزويجها به فإن قالوا: نريد من هو أكفأ منه لم يكن لهم ذاك لأن طلب الزيادة على الكفاءة خروج عن الشرط المعتبر إلى ما لا يتناهى فسقط وكانوا على هذا القول عضلة يزوجها الحاكم دونها -وإن كان غير كفء كان لهم أن يمتنعوا من تزويجها لئلا يدخل عليهم عار فقمن فلو رحبوا به إلا واحد كان للواحد منعها منه لما يلحقه من عار. وجرى ذلك مجرى أولياء الميت المقذوف إذا أعفوا من القاذف إلا واحد كان الواحد أن يجده لما يلحق من معرة القذف فلو بادر أحد أوليائها بغير علم الباقين ورضاهم فزوجها بهذا الذي ليس كفء لها فظاهر ما قاله الشافعي ها هنا وفي كتاب "الأم" أن النكاح باطل لأنة قال: "لم يثبت إلا باجتماعهم قبل إنكاحه فيكون حقا لهم" وقال في كتاب "الإملاء": فإن زوجها من غير