أحدهما: أن يكون زواله بقوله، كإخباره عن نفسه بأن طبعه يميل إلي الرجال حتى زوج امرأة ولا ولاية له؛ لأن قوله: وإن "قيل علي نفسه" فهو غير مقبول علي غيره.
والثاني: أن يكون قد زال تعيناً لإمارة لا يرتاب بها فله الولاية لاعتبار حكمه بالرجال في جميع الأحوال. فأما الإحرام بحج أو عمرة فمانع من الولاية سواء كان صحيحاً أو فاسداً لاستوائهما في المضي فيهما، ولا تبطل به الولاية؛ لأنه يصير بإحرامه كالعاضل فيزوجها الحاكم عنه، ولا تنتقل الولاية عنه إلي ما بعده من الأولياء.
فرع:
إذ ثبت ما وصفنا من الأسباب المشكلة لولاية النكاح انتقلت الولاية بها إلي من هو ابعد بخلاف الغيبة التي لا توجب انتقال الولاية؛ لأن الغائب يصح منه التزويج ولا يصح من هؤلاء، فلو زالت الأسباب المبطلة للولاية بأن اسلم الكافر واعتق البعد وأفاق المجنون ورشد السفيه، عادوا إلي الولاية وانتقلت عمن هو ابعد منهم، فلو كان الأبعد قد زوج في جنون القريب وسفهه صح نكاحه. ولم يكن للأقرب بعد الإفاقة والرشد اعتراض عليه، ولو كان الأبعد قد زوج بعد إفاقة الأقرب ورشده كان نكاحه باطلا سواء علم بإفاقته أو لم يعلم. فإن قيل: وكيل الولي إذا زوج بعد رجوع الولي في الوكالة قبل علمه برجوعه كان في نكاحه قولان، فهلا كان نكاح إلا بعد مثله علي قولين؟ قيل: الفرق بينهما: أن الوكيل مستناب يضاف عقده إلي موكله فكان عقده امضي من عقد الأبعد الذي ليس بنائب عن الأقرب، فعلي هذا لو زوجها إلا بعد ثم اختلف هو والأقرب فقال الأبعد: زوجها قبل إفاقتك فالنكاح ماضٍ. وقال الأقرب: بل زوجتها بعد إفاقتي، فالنكاح باطل ولا اعتبار باختلافهما ولا رجوع فيسأل قول الزوجين؛ لأن العقد حق لهما فلم ينفذ فيه قول غيرهما.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالي:" ولو قالت قد أذنت في فلانٍ فأي ولاتي زوجني فهو جائز فأيهم زوجها جاز، وإن تشاحوا أقرع بينهم السلطان".
وهذا كما قال: إن كان للمرأة جماعة أولياء في درجة واحدة كالإخوة والأعمام، فينبغي لها ولهم أن يردوا عقد نكاحها إلي أسنهم وأعلمهم وأروعهم؛ لأن ذا السن قد جرب الأمور، وذا العلم اعرف بأحكام العقود، وذا الورع أسلم اختياراً وأكثر احتياطاً، فإن قيل: فهلا اشتركوا في عقد نكاحها ولم ينفرد به أحدهم كما لو اشتركوا في رق جارية اشتركوا في تزويجها لتساويهم كالشركاء في ملك إذا أرادوا بيعه أو إجارته اشتركوا في