للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمضى النكاح. قال: ولأنه عقد معاوضة فجاز أن تتولاه المرأة كالبيع. ولأنه قد يستاح به البضع فصح أن تباشره المرأة قياسًا على شراء الأمة، ولأنه عقد على منفعته فجاز اشتراك الرجال والنساء فيه كالإجازة. ودليلنا رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها". وهذا نص.

وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كان إذا هوى فتى من بني أخيها فتاة من بنات أخيها أرسلت سرًا وقعدت من ورائه وتشهدت حتى إذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان انكح وليتك فلانة فإن النساء لا ينكحن، وهذا أمر منتشر في الصحابة لا يعرف فيه مخالف، ولأن تصرف المرأة في حق نفسها أقوى من تصرفها في حق غيرها، وقد دللنا على أنه لا ولاية لها في حق نفسها، فأولى أن لا يكون لها ولاية في حق غيرها، ولأن كل عقد لم يجز أن تعقده المرأة لنفسها لم يجز أن تعقده لغيرها كعقد الإمامة.

فأما الجواب عن حديث عائشة فهو أنه لا يمكن استعماله على ظاهره من أربعة أوجه:

أحدها: أنها لو زوجتها بولاية النسب لكان بالمنكوحة من هو أحق بالولاية منها من إخوة وأعمام، لأن عبد الرحمن قد كان له إخوة وأولادهم أحق بنكاحها من عائشة التي هي أخته وعمه المنكوحة.

والثاني: أنه لو زوجتها بوكالة أبيها عبد الرحمن لما أفتات عليه في بناته.

والثالث: أنها هي الراوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" وهي لا تخالف ما روته.

والرابع: أنها كانت إذا خطبت في المناكح قالت: "يا فلان انكح وليتك فإن النساء لا ينكحن" وإذا لم يكن حمله على ظاهره من هذه الوجوه الأربع وجب حمله على ما يمكن فيحمل على أحد ثلاثة أوجه:

أحدها: أن عبد الرحمن يجوز أن يكون قد وكل عن نفسه من يقوم بتزويج بنته وأمره أن يرجع إلى رأي عائشة في اختيار من يزوجها به فأشارت عليه عائشة بتزويج منذر بن الزبير. فإن قيل: فلما أنكر وقد وكل؟ قيل: لأن منذرًا قد كان خطب إليه فكرهه لعجب ذكره فيه، فأحبت عائشة مع ما عرفته من فضل منذ أنه يصل الرحم وتزوج بنت أخيها بابن أختها، لأن منذر بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر.

والثاني: أنه لا يجوز أن تكون عائشة حين اختارت منذرًا سألت السلطان أن

<<  <  ج: ص:  >  >>