أحدهما: أن يدعي الجهالة بالعتق.
والثاني: أن يدعي الجهالة بالحكم.
فأما إذا ادعت الجهالة بالعتق أو قالت مكنته من نفسي ولم أعلم بعتقي فإن علم صدقها قبل قولها وإن علم كذبها رد قولها. وإن جوز الأمران فالقول قولها من يمينها إن كذبت وهي على حقها من الخيار وأما إذا ادعت الجهالة بالحكم بأن قالت: مكنته من نفسي مع العلم بعتقي ولكن لم أعلم أن لي الخيار إذا أعتقت وأمكن ما قالت ففيه قولان:
أحدهما: أنه لا خيار لها وأن لم تعلم لأنه قد كان يمكنها أن تتعلم كما لا خيار في رد العيب إذا أمسكت عنه جهلًا باستحقاق ردة.
والثاني: لها الخيار ولأنه قد يخفي إلا عن خواص الناس وليس كالرد بالعيب الذي يعرفه الخاصة والعامة وفي هذا التفصيل جواب على احتجاج المزني به.
والثالث: إن عارض الشافعي في عبارته وهي قوله: «لم يكن لها الخيار إذا أثنى عليهن أقل أوقات الدنيا» فأفسد هذه العبارة وأحالها من وجهين:
أحدهما: قوله إن على السلطان أن لا يؤجلها أكثر من مقامها. فكم يمر بها من أوقات الدنيا من حين أعتقت إلى أن جاءت إلى السلطان وقد يبعد ذلك ويقرب.
والثاني: أنها لا تقدر على اختيار الفسخ إلا بكلام يجمع حروفًا كل حرف منها في وقت الآخر وفي هذا إبطال الخيار وهذا اعتراض من الوجهين فاسد من وجهين:
أحدهما: أن للكلام عرفًا وإذا تقدر استعمال حقيقته كان محمولًا عليه وصار مخرجه مخرج المبالغة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي جهم: «لا يضع عصاه عن عاتقه» ومعلوم أنه ما أحد يمكنه إلا أن يضع عصاه عن عاتقه في أوقات نومه واستراحته لكنه قال ذلك على طريقة المبالغة لأنه الأغلب من أحواله.
والثاني: أنه أراد أوقات الدنيا بقدر زمان المكنة وشروط الطلب ويكون مراده بأقلها بعد الوقت الذي يمكنها فيه الاختيار فيمسك فيه عن الاختيار.
فأما مراد المزني بكلامه هذا فقد اختلف أصحابنا على وجهين:
أحدهما: أنه أراد به إثبات الخيار على التراخي فعلى هذا يكون منه اختيار الآخر من قول الشافعي.
والثاني: أنه أراد به أن اختيار الفسخ لا يكون إلا على حكم فعلى يكون ذلك منه مذهبًا اختياره لنفسه وليس بمذهب الشافعي وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن الموقوف على حكم الحاكم يكون فيما ثبت باجتهاد وهذا ثابت النص.
والثاني: أنه خيار نقص فجرى خيار الرد بالعيب.