حرمها في حجة الوداع ولذلك قال فيها: "وهي حرام إلى يوم القيامة" تنبيهًا على أن ما كان من التحريم المتقدم موقف تعقبته إباحة وهذا تحريم مؤبد لا تتعقبه إباحة ولأنه إجماع الصحابة روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة.
قال ابن عمر: لا أعلمه إلا السفاح نفسه.
وقال ابن الزبير: المتعة هي الزنا الصريح.
فإن قيل: فقد خالفهم ابن عباس ومع خلافه لا يكون الإجماع قيل: قد رجع ابن عباس عن إباحتها وأظهر تحريمها وناظره عبد الله بن الزبير عليها مناظرة مشهورة وقال له عروة بن الزبير: أهلكت نفسك قال: وما هو يا عروة قال: تفتي بإباحة المتعة وكان أبو بكر وعمر ينهيان عنها, فقال: عجيب منك أخبرك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتخبرني عن أبي بكر وعمر فقال له عروة: إنهما أعلم بالسنة منك فسكت.
وروى المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير: أن رجلًا أتى ابن عباس فقال: هل لك فيما صنعت نفسك في المتعة حتي صارت به الركاب وقال الشاعر:
أقول للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
يا صاح هل لك في بيضاء بهكنة تكون مثواك حتى يصدر الناس
فقال ابن عباس: ما إلى هذا ذهبت وقام يوم عرفة فقال: يا أيها الناس إنها والله لا تحل لكم إلا ما تحل لكم الميتة والدم ولحم الخنزير. يعني إذا اضطررتم إليها ثم رجع عنها فصار الإجماع برجوعه منعقدًا والخلاف به مرتفعًا وانعقاد الإجماع بعد ظهور الخلاف أوكد لأنه يدل على حجة قاطعة ودليل قاهر.
ومن القياس: أنه حل عقد جاز مطلقًا فبطل مؤقتًا كالبيع طردًا والإجارة عكسًا ولأنه للنكاح أحكامًا تتعلق بصحتها وتبقى عن فاسدها وهي الطلاق والطهار والعدة والميراث. فلما انتفت عن المتعة هذه الأحكام دل على فساده كسائر المناكح الفاسدة.
فأما الجواب على قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] فهو أن المتعة غير داخلة في النكاح لأن اسم النكاح ينطلق على ما اختص بالدوام لذلك قيل: قد استنكحه المدى لمن دام به فلم يدخل فيه المتعة المؤقتة ولو جاز أن يكون عامًا لخص بما ذكرنا.
وأما الجواب عن قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٤] فمن وجهين:
أحدهما: أن عليًا وابن مسعود رؤيا أنها نسخت بالطلاق والعدة والميراث.