أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] وإنما أحضر التوراة لأنه أخبرهم بأن فيها آية الرجم فأنكروا فأحضرها لإكذابهم.
فإن قيل: فيجوز أن يكون هذا قبل أن صار الإحصان شرطًا في الرجم فعنه جوابان:
أحدهما: أنه ليس يعرف في الشرع وجوب الرجم قبل اعتبار الحصانة فلم يجز حمله عليه.
والثاني: أنه قد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم يهوديين أحصنا, فأبطلت هذه الرواية هذا التأويل.
ومن طريق القياس: أن كل من وجب عليه بالزنا حد كامل فوجب أن يكون بالوطء في النكاح محصنًا كالمسلم ولأن كل قتل وجب على المسلم بسبب وجب على الكافر إذا لم يقر على ذلك السبب كالقود.
وقولنا: إذا لم يقر على ذلك السبب احترازًا من تارك الصلاة فإنه يقتل إذا كان مسلمًا لأنه لا يقر ولا يقتل إذا كان كافرًا لأنه يقر ولأن الرجم أحد حدّي الزنا فوجب أن يستوي فيه المسلم والكافر كالجلد ولأنه لما استوى في حد الزنا حكم العبد المسلم والكافر وجب أن يستوي فيه حد الحر المسلم والكافر.
فأما الجواب عن الخبرين الأولين فمن وجهين:
أحدهما: حمله على حصانة القذف دون الرجم.
والثاني: لا حصانة تمنع من استباحة قتلهم وأموالهم لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إلاه إلا الله, فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" وإما الجواب عن حديث حذيفة فهو أن لا يجوز حمله على حصانة الزنا لأنه لا يصح من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لمن وثق بدينه من أصحابه وحذيفة قد كان موثوقًا بديته أنك متى زنيت تحت هذه اليهودية لم ترجم وإنما معنى قوله: "لا تحصنك" أي لا تتعفف بك عما تتعفف المسلمة.
وأما اعتبارهم ذلك بحصانة القذف.
فالفرق بينهما: أن حد الزنا حقّ الله تعالى فجاز أن يستوي فيه المسلم والكافر وحدّ القذف من حقوق الآدميين فجاز أن يفرق فيه المسلم والكافر كالدية.
وأما استدلالهم بأنه لما اعتبر في سقوط الرجم نقص الرق اعتبر فيه نقص الكفر فالجواب عنه أنه لما كان نقص الرق معتبرًا في الحد الأصغر كان معتبرًا في الحد الأكبر