قال في الحاوي: يجوز أن تكون منافع العبد والحر صداقًا لزوجته مثل أن يتزوجها على أن يخدمها شهرًا أو يبني لها دارًا أو يخيط لها ثوبًا أو يرعى لها غنمًا.
وقال مالك: لا يجوز أن تكون منافع الحر والعبد صداقًا.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون منافع العبد صداقًا ولا يجوز أن تكون منافع الحر صداقًا.
استدلالاً بقوله تعالى: {وأُحِلَّ لَكُم مَّا ورَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ} [النساء:٢٤] وليس هذا مال فيصح ابتذال النكاح به ولأن تسليم المنفعة لا يصح إلا بتسليم الرقبة وليست رقبة الحر مالاً فلم يجب بتسليم منفعته تسليم حال فلذلك لم يجز أن يكون صداقًا ورقبة العبد حال موجب بتسليم منفعته تسليم مال فجاز أن لحون صداقًا.
ودليلنا: قول الله تعالى في قصة شعيب حين تزوج موسى بابنته {إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَاجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:٢٧] يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم بينهما والعمل رعي الغنم فجعل رعي موسى ثماني سنين صداقًا لبنته وهذا نص.
فإن قيل: فهذا في غير شريعتنا فلم يلزمنا.
قيل: شرائع من تقدم من الأنبياء لازمة لنا على قول كثير من أصحابنا فلم يرد فسخ.
فإن قيل: فهذا مفسوخ لأن شرط صداقها لنفسه وقد فسخ الله تعالى ذلك في شريعتنا بقوله سبحانه: {وآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة} [النساء: ٤] قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه أضاف ذلك إلى نغمه مجازًا لقيامه فيه بنفسه وإلا فهو ملك لها دونه.
والثاني: أنه ليس نسخ حكم من أحكامه دليلاً على نسخ جميع أحكامه كما لم يكن نسخ استقبال بيت المقدس دليلاً على نسخ الصلاة التي كانت إلى بيت المقدس.
فإن قيل: فشعيب جعل المنفعة مقدرة بمدتين ومثل هذا لا يجوز في شريعتنا.
قيل: المنفعة مقدرة بمدة واحدة وهى ثمان سنين قال ابن عباس: كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عدة منه فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرًا.
ومن طريق القياس أنها منفعة تستحق بعقد الإجارة فصح أن تثبت صداقًا كمنافع العبد، ولأنه عقد يصح على منفعة العبد فصح على منفعة الحر كالإجازة ولأن كل ما صح أن يثبت في مقابلة منافع العبد صح أن يثبت في مقابلة منافع الحر كالدراهم.
أما الآية فقد تقدم الجواب عنها.
وأما قولهم إنها منفعة لا تجب بتسليمها تسليم مال فخطأ لأن الرقبة ليست في مقابلة العوض فيراعى أن يكون مالاً وإنما العوض في مقابلة المنفعة فلم يؤثر فيها أن تكون الرقبة مالاً أو غير مال فالإجارة على منافع الحر كالإجارة على منافع العبد وإن لم