أحدهما: أن تبرئة قبل الدخول بها فالإبراء باطل لأنها أبرأته مما لم يجب لأن مهر المفوضة لا يجب بالعقد وإنما يجب بالفرض أو الدخول.
والثاني: أن يكون بعد الدخول بها فقد وجب لها مهر المثل فإن علمت قدره صح الإبراء ولم تفتقر إلى القبول على مذهب الشافعي وجمهور أصحابه.
وقال بعضهم: لا يتم إلا بقبول الزوج وهو مذهب أبي حنيفة وإن لم تعلم قدره فالإبراء باطل لأن البراءة من المجهول باطلة.
فصل:
وأما نكاح غير التفويض: وهو أن يسمى فيه مهر فهو على ضربين صحيح وفاسد.
- فأما الصحيح: فالإبراء منه صحيح لأنه إبراء من واجب معلوم.
- وأما الفاسد: فالإبراء منه فاسد لأنه الفاسد لا يجب فصار إبراء من غير واجب والواجب لها في الفاسد مهر المثل فلو سلم الصداق الفاسد إليها فردته عليه هبة له لم تصح الهبة لأنه مال ردته عليه وهي على حقها من مهر المثل فلو أبرأته من مهر المثل روعي علمها بقدره فإن جهلت قدره فالإبراء باطل سواء علم الزوج قدره أو لم يعلم وإن علمت قدره صح الإبراء سواء علم الزوج قدره أو لم يعلم لأن قبوله غير معتبر فكان علمه بقدره غير معتبر.
وعلى قول من زعم من أصحابنا أن قبول الزوج معتبر فعلمه بقدره معتبر.
فصل:
فلو علما أن مهر مثلها لا ينقص عن عشرة دنانير وجهلت الزيادة عليها فأبرأته من جميعه لم يبرأ من الزيادة على العشرة لأنها مجهولة وفي براءته من العشرة المعلومة وجهان:
أحدهما: أنه يبرأ منها لكونها معلومة القدر.
والثاني: لا يبرأ منها لأنها بعض جملة مجهولة فجرى على جميعها حكم الجهالة كما لو ضمن ما يعلم بعضه ويجهل جميعه كان ضمان الجميع باطلًا.
فإن كان مهر مثلها مجهول القدر معلوم الطرفين مثل أن تعلم أنه لا ينقص عن عشرة دنانير ولا يزيد عن عشرين دينارًا فللبراءة منه حالان: حال بالإبراء, وحال بالأداء.
فأما الإبراء: فالطريق إلى صحته أن تقول: قد أبرأتك من دينار إلى عشرين دينارًا فيبرأ لأن العلم بالطرفين يجعل الوسط ماحقًا بهما فلو أبرأته من الزيادة على العشرة إلى العشرين صح وصار ما تستحقه عليه من المهر عشرة دنانير.
فلو قالت: قد أبرأتك من عشرة إلى عشرين برئ من الجميع لأن الحدين يدخلان من المحدود إذا جانساه فالحد الأول: هو المبتدأ منه والحد الثاني: هو المنتهى إليه.
وقال أبو حنيفة: يدخل فيه الحد الأول المبتدأ منه ولا يدخل فيه الحد الثاني