قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا امتنعت المرأة من تسليم نفسها لقبض صداقها لم يخل حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون جميعه حالاً.
والثاني: أن يكون جميعه مؤجلاً.
والثالث: أن يكون بعضه حالاً وبعضه مؤجلاً.
فأما الأول: وهو أن يكون جميعه حالاً إما بإطلاق العقد أو بالشرط فيكون حالاً بالعقد والشرط تأكيد فلها أن تمتنع من تسليم نفسها على القبض صداقها كما كان لبائع السلعة أن يمتنع من تسليمها على قبض ثمنها فإن تطوعت بتسليم نفسها قبل قبض الصداق ثم أرادت بعد التسليم أن تمتنع عليه لقبض الصداق فهذا على ضربين:
الأول: أن لا يكون قد وطئها فلها أن تمتنع عليه وإن سلمت نفسها إليه إذا لم يكن قد وطئها لأن القبض في النكاح يكون بالوطء الذي يستقر به كمال المهر دون التسليم وهذا متفق عليه.
والثاني: أن يكون قد وطئها بعد التسليم فليس لها عندنا أن تمتنع عليه. وقال أبو حنيفة: لها الامتناع بعد الوطء كما كان لها الامتناع قبله احتجاجًا بأن الصداق في مقابلة كل وطء في النكاح لأمرين:
أحدهما: أنه لو كان في مقابلة الأول لوجب للثاني مهر آخر.
والثاني: أنه لو كان في مقابلة الأول لجاز لها أن تمنعه نفسها بعد الول لاستيفاء حقه به.
وإذا ثبت بهذين أنه في مقابلة كل وطء لم يكن لتسليمها لبعض الحق مسقطًا لحقها في منع ما بقي كمن باع عشرة أثواب فسلم أحدها قبل قبض الثمن كان له حبس باقيها كذلك هاهنا.
قال: ولأنها لم تستوف مهرها مع استحقاق المطالبة فجاز لها أن تمتنع من تسليم نفسها قياسًا على ما قبل الوطء.
ودليلنا هو أنه تسليم رضا استقر به العوض فوجب أن يسقط به حق الإمساك قياسًا على تسليم المبيع ولأن أحكام العقد بالوطء اختصت بالوطء الأول وكان ما بعده تبعًا وقد رفع الوطء الأول حكم الإمساك في حقه فوجب أن يرفعه في حق تبعه كالإحلال.
فأما استدلالهم بأن المهر في مقابلة كل وطء: فتقول: قد استبيح به كل وطء لكنه قد استقر بالوطء الأول فقام فيه مقام كل وطء ألا تراها لو ارتدت بعد الوطء الأول لم يؤثر في سقوط المهر وإن لم يستوف كل وطء في النكاح ولو عادت إلى الإسلام حل له وطؤها بالمهر المتقدم.
وأما قياسهم على ما قبل الوطء الأول: فالمعنى في الأصل أنها لم تسلم ما استقر