للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالحَكَمَينِ دلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ الأّزْوَاج فَإِذَا اشْتَبَهَ حَالَاهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الرَّجُلُ الصُّلْحَ وَلا الفُرْقَةَ وَلَا المَرْأَةُ تَادِيَةَ الحَقِّ وَلَا الفِدْيَةَ وَصَارَا مِنَ القَوْلِ وَالفِعْلِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَتَمَادَيَا بَعَثَ الإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مَامُونَيْنِ بِرِضَا الرَّوْجَيْنِ وَتَوْكِيلِهِمَا إِيَّاهُمَا بِأَنْ يَجْمَعَا أَوْ يُفَرِّقَا إَذَا رَأَيَا ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ عَلَيْكُمَا أَنْ تَجْمَعَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا وَأَنْ تُفَرِّقَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا. فَقَالَتِ المَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكِتَابِ اللهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ ولِي، فَقَالَ الرَّجُلُ أَمَّا الفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَليٌّ: كَذَبْتَ وَاللهِ حَتَّى يُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ إِلَّا بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَبَعَثَ بِغَيْرِ رِضَاهِمَا».

قال في الحاوي: وهذا الباب يشتمل على الحكم في نشوز الزوجين وهو الشقاق وفي تسميته شقاقًا تأويلات:

أحدهما: لأن كل واحد منهما قد فعل ما شق على صاحبه.

والثاني: لأن كل واحد منهما قد صار في شق بالعداوة والمباينة.

والأصل في ذلك قول الله تعالى: {وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النّسَاء: ٣٥] فإذا شاق الزوجان وشقاقهما يكون من جهة الزوجة بنشوزها عنه وترك لزومها لحقه ويكون من جهة الزوج بعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فهذا على ضربين:

أحدهما: أن لا يكونا قد خرجا في المشاقة إلى قبح من فعل كالضرب ولا إلى قبيح من قول كالنسب فإن الحاكم ينصب لهما أمينًا بأجرة بالإصلاح بينهما وأن يستطيب نفس كل واحد منهما لصاحبه من عفو أو هبة فإن سودة لما همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها استعطفته بأن وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها لعلمها بشدة ميله إليها فعطف لها وأمسكها فنزل فيه قول الله تعالى: {وإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا والصُّلْحُ خَيْرٌ} [النِّسَاء: ١٢٨].

والثاني: أن يكون الشقاق قد أخرجهما إلى قبيح الفعل فتضاربا وإلى قبيح القول فتشاتما، وهو معنى قول الشافعي وصارا من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن فهي الحال التي قال الله تعالى فيها: {وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النّسِاء: ٣٥] فيجب على الحاكم إذا ترافعا إليه فيها أن يختار من أهل الزوج حكمًا مرضيًا ومن أهلها حكمًا مرضيًا فإن جعل الحاكم إلى الحكمين الإصلاح بين الزوجين دون الفرقة جاز بل لو فعله الحاكم مبتدئًا قبل ترافع الزوجين إليه أو فعله الحكماء من قبل أنفسهما من غير إذن الحاكم لهما جاز قال الله تعالى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النِّساء: ١١٤] وإن أراد الحاكم أن يرد إلى الحكمين الإصلاح إن رأياه أولى والفرقة إن رأياها أصلح أو الخلع إن رأياه أنجح فهل يصح ذلك من الحكمين بإذن

<<  <  ج: ص:  >  >>