أن تفرقا فرقتكما ثم أقبل على المرأة وقال: أقد رضيت بما حكما؟ قالت: نعم رضيت بكتاب الله عليَّ، ثم أقبل على الرجل فقال: قد رضيت بما حكما فقال: لا، ولكن أرضى أن تجمعا ولا أرضى أن تفرقا، فقال له علي: كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بمثل الذي رضيت.
فموضع الدليل من هذا الخبر أنه لو ملك الحكمان ذلك بغير توكيل الزوجين لم يكن لرجوع علي عنه إلى رضي الزوج وجه ولكان بإذن الحكمين فيه وإن امتنع.
فإن قيل: فما معنى قوله كذبت والله حتى ترضى بمثل الذي رضيت وكيف يكون امتناعه من الرضى كذبًا فعنه جوابان:
أحدهما: يجوز أن يكون تقدم من الرضى ثم أنكره فصار كذبًا وزال بالإنكار ما تقدم من التوكيل.
والثاني: أن قوله كذبت بمعنى أخطأت وقد يعبر عن الخطأ بالكذب لأنه بخلاف الحق ومنه قول الشاعر:
كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ غَلَسَ الظَّلَامِ مِنَ الرَّبَابِ خَيَالَا
يعني أخطأتك عينك ويدل على ما ذكرنا أن الله تعالى لم يجعل الطلاق إلا إلى الأزواج فلم يجز أن يملكه غيرهم ولأن الحاكم لا يملك إيقاع الطلاق والخلع بين الزوجين إلا عن رضاهما فلأن لا يملكه الحكمان من قبله أولى.
فصل:
فإذا تقرر توجيه القولين كان الحكمان على القول الأول حاكمين وعلى القول الثاني وكيلين ولا بد من اعتبار شروط صحته تحكيمهما وهي تنقسم ثلاثة أقسام:
قسم يجب اعتباره فيهما.
وقسم يستحب اعتباره فيهما.
وقسم يختلف باختلاف القول فيهما.
فأما ما يجب اعتباره فيهما من الشروط فثلاثة:
أحدهما: أن يكونا رجلين فإن كانا أو أحدهما امرأة لم يجز.
والثاني: أن يكونا حرين فإن كانا أو أحدهما عبدًا لم يجز.
والثالث: أن يكون عدلين فإن كانا أو أحدهما غير عدل لم يجز.