وكذلك السراح والفراق جاز وإن ورد بهما القرآن أو لا يكون من صريح الطلاق، فعنه جوابان:
أحدهما: ليس يلزم إذا كان ما ورد به القرآن في الطلاق صريحاً، أن يكون ما ورد به القرآن في الطلاق صريحاً ولا يكون افتراقهما فيه مانعاً من أن يختص كل واحد منهما بحكمه.
والثاني: أن الكناية المراد بها العقد المكتوب بين السيد وعبده دون العتق وهي صريح فيه، وأما فك الرقبة، فلنزول ذلك سبب، وهو أن أبا الأشد بن المحيي كان ذا قوة يُدِلّ بها فأنزل الله تعالى فيه: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَد (٥)} إلى قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)} [البلد: ١١]. أي أنه وإن ذل بقوته فليس يقدر على اقتحام العقبة، إلا بفك رقبة، فخرج الخبر عن صفة مقتحمها، ولم يخرج مخرج الأمر فيصير بذلك معتقاً لها.
السؤال الثالث: أن السراح لو كان صريحاً كالطلاق، لما سُئِلَ رَسُولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم نُزُلِ قَوْلِهِ تعالى:{اُلطَّلَقُ مَرَتَاَنِ} عن الثَّالِثَةِ حَتَّى بَيَّنَ فَقَالَ: {أَوْ تَسْرِحُ بِإحَسَنٍ} ولكان السائل يعلم أنه صريح فيستغني عن السؤال.
فالجواب عنه: أن صريح الطلاق وكنايته من الأحكام الشرعية التي تخفي عن أهل اللغة فسأله ليعلم صريح الشرع دون اللغة، وذلك مما لا يستغني عنه أحد.
والسؤال الرابع: أن الطلاق إنما كان صريحاً، لأن القرآن ورد به، ولكن لأنه لا يستعمل في غير الفرقة، لذلك صار صريحاً، والفراق والسراح قد يستعملان في غير الفرقة فكانا كناية.
قيل: قد يستعمل الطلاق في غير الفرقة، فيقال: فلان قد طلق الدنيا، إذا زهد فيها وطلقت فلاناً من وثاقه، وقد داعب الشافعي بعض إخوانه فقال:
فما أنكر ذلك حد من أهل اللغة، فلما لم يمنع من استعمال الطلاق في غيره أن يكون صريحاً فيه، كذلك الفراق والسراح.
والسؤال الخامس: أن الطلاق كان صريحاً لكثرة استعماله، والفراق والسراح يقل استعمالهما فكانا كناية، قيل: الصريح حكم شرعي فاقتضى أن يراعى فيه عرف الشرع لا عرف الاستعمال، وهما في عرف الشرع كالطلاق، وإن خالفاه في عرف الاستعمال. وقياس ثان: وهو أن إزالة الملك إذا سرى لم يقف صريحه على لفظ واحد كالعتق. وقياس ثالث: وهو أن الطلاق أحد طرفي النكاح، فوجب أن يزيد صريحه على لفظه واحدة كالعقد، وقياس رابع: وهو أن كل لفظ لا يفتقر في الطلاق عند الغضب والطلب إلى نية الطلاق كان صريحاً فيه كالطلاق، وقياس خامس: أنه أحد نوعي الطلاق فلم يقف على لفظة واحدة، كالكناية لأن الطلاق صريح وكناية.