قال الماوردي: اعلم أنه لا يخلو حال من تلفظ بصريح الطلاق من أربعة أقسام:
أحدها: أن يقصد اللفظ وينوي الفرقة، فيقع به الطلاق إجماعًا، إذا كان المتلفظ من أهل الطلاق.
والقسم الثاني: أن يقصد اللفظ ولا ينوي الفرقة، فيقع به الطلاق، لأن الصريح لا يفتقر إلى نية وهو قول جمهور الفقهاء، وقال داود: لا يقع به الطلاق إلا مع النية استدلالًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ" وهذا خطأ. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاث جدهن وهزلهم جد. النكاح والطلاق والعتاق".
ولأن الفرقة تقع بالفسخ تارة وبالطلاق أخرى. فلما لم يفتقر الفسخ إلى النية، لم يفتقر الطلاق إليها، ولأنه لما لم يفتقر صريح العتق إلى النية، لم يفتقر صريح الطلاق إلى النية ولأنه قد افترق في الطلاق حكم الصريح والكناية، فلو افتقر الصريح إلى النية، لصار جميعه كناية، وإذا كان كذلك فقد وقع الطلاق مع عدم النية ظاهرًا وباطنًا.
والقسم الثالث: أن يبعد اللفظ ويريد به طلاقة من وثاق، أو فراقًا إلى سفر، أو تسريحًا إلى أهل، فيلزمه الطلاق في ظاهر الحكم، ويدين فيما بينه وبين اله تعالى في الباطن. وقال أبو حنيفة: يلزمه الطلاق في الظاهر والباطن، ولا يدين كما لا يدين إذا تلفظ بالطلاق، ويريد به غير الطلاق.
ودليلنا: قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسبوا العبد حساب الرب"أي لا تحاسبوه إلا على الظاهر دون الباطن، وإن كان الله تعالى يحاسب على الظاهر والباطن. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"إنما أحكم بالظاهر ويتولي الله سرائر"، ولأن اللفظ يحتمل ما نوى، لأنه لو صرح به لكان محمولًا عليه فاقتضى إذا نواه أن يكون مدينة فيه، لأنه أحد احتماليه وليس كذلك إذا وقع الطلاق مريدًا به غير الطلاق، لأنه يسلب اللفظ حكمه الذي لا يحتمل غيره.
والقسم الرابع: أي لا يقصد اللفظ ولا يريد به للفرقة وإنما يسبق لسانه غلطًا أو دهشًا أو كان أعجميًا [لا يعرف لفظ الطلاق ولا حكمه] فالطلاق لازم له في ظاهر الحكم وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يلزمه في الباطن.
فصل
وأما زوجة المدين في طلاقه، إذا ألزم الطلاق في الظاهر دون الباطن، فلا يخلو حالها من ثلاثة أقسام: إما أن تعلم صدقه فيما دين فيه فيسعها فيما بينها وبين الله تعالى أن تقيم معه وتمكنه من نفسها، ولا يكره لها، ويجب على الزوج نفقتها، ويحرم عليها النشوز عنه، فإن نشزت لم يجيرها الحاكم، وإن أثمت لوقوع طلاقه في الظاهر،