وعنده، فكذلك إذا لم يعتبروا نية الزوجة، ويكون ذلك منهم لعلمهم بوجود النية منهما.
وأما استدلاله بدخول الدار، فحسبنا به دليلًا، لأنه لما كان إذا علق طلاقها صح، بدخول الدار لم تطلق لا بوجود للدخول منها، كذلك إذا خيرها في طلاق نفسها، لم تطلق حتى تختار طلاق نفسها، فإذا تقرر أن النية معتبرة منهما، وأن الطلاق لا يقع إلا بنيّتهما فلها ثلاثة أحوال:
أحدها: أن تختار نفسها.
والثانية: أن نختار زوجها.
والثالثة: أن لا يكون لها اختيار. فإن اختارت نفسها، طلقت واحدة رجعية، وإن اختارت زوجها أو لم يكن لها اختيار لم تطلق، وبه قال من الصحابة: عمر وابن مسعود وابن عباس، وقال أبو حنيفة: إن اختارت نفسها طلقت واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها لم تطلق، وقال ربيعة: إن اختارت نفسها طلقت واحدة بائنة، وإن اختارت زوجها، طلقت واحدة رجعية، وبه قال من الصحابة: علي بن أبي طالب، وقال زيد بن ثابت: إن اختارت نفسها طلقت ثلاثًا، وإن اختارت زوجها طلقت واحدة بائنة.
والدليل على أن اختيارها لزوجها لا يكون طلاقًا، منا رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بدأ بي، فقال: إني ذاكر لك أمرًا فلا تعجلى حتى تستأمري أبويك، ثم تلا هذه الآية:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا فَتعالانَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً}[الأحزاب: ٢٨] الآية: فقلت في أيّ هذين أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت، ولم يكن قال لهن رسول الله، فاخترته طلاقًا من أجل أنهن اخترنه.
ومن الدليل عليه أيضًا: أن اختيارها لزوجها ضد اختيارها لنفسها، فلما طلقت باختيارها نفسها، وجب أن لا تطلق باختيار زوجها، لأن اختلاف الضدين يوجب اختلاف الحكمين.
والدليل على أنها تكون واحدة رجعية، ولا تكون ثلاثًا ولا واحدة بائنة، ما قدمنا في حكم الطلاق إذا وقع بالكناية، وهكذا لو قال لها أمرك بيدك، فقالت: قد اخترت نفسي أو قال لها: أبيني نفسك، فقالت: قد أبنت نفسي، وهكذا لو اختلفت الكناية منهما، فقال لها: حرّمي نفسك فقالت: قد حرمت نفسي لم يقع الطلاق حتى ينوياه جميعًا.