الزوجة، لأن كناية الزوج تفتقر إلى النية، وصريح الزوجة لا يفتقر إلى النية، فإن قالت أردت الطلاق طلقت، وإن قال لم أرده، لم تطلق، وإن جن أو مات قبل أن تعلم إرادته، لا تطلق وكان لها ميراثها منه، لأن إرادته مجوزة والطلاق لا يقع بالشك، فلو قال لها: أمرك بيدك فأراد به طلاقها في الحال، ولم يجعله بذلا يقف على قبولها. قال الشافعي في كتاب "الإملاء": لم تطلق، لأن هذا القول منه إذا اقترن بالإضافة إليها صار صريحًا، في جعل الطلاق إليها، وتعليقه بقبولها، فلم يقع إلا به، ويحتمل أن يقع به الطلاق، لأنه من كناياته الجاري مجرى قوله .. قد ملكتك نفسك، وتزوجي من شئت فيقع به الطلاق إذا نواه، ولكن لو قال لها: طلّقي نفسك وأراد به وقوع الطلاق عليها من غير أن يقفه على قبولها وتطليقها لنفسها لم تطلق إلا أن تطلق نفسها، لأنه لا يحتمل غيره.
فصل
ولو قال لها: إن أحببت فراقي، فأمرك بيدك، لم تطلق إذا طلقت نفسها، حتى تقول قبل الطلاق قد أحببت فراقك، ثم تطلق نفسها فتطلق حينئٍذ، لأنه مقيد بهذا الشرط ولو قال لها: إذا مضت سنة فأمرك بيدك، أو قال لها: إذا قدم زيد فأمرك بيدك لم يجز، لأنه تمليك مؤجل، وبذل منتظر، فإن طلقت نفسها بعد مضي السنة، أو بعد قدوم زيد، لم تطلق لبطلان التمليك، وفساد البذل، ولكن لو قال: أمرك بيدك تطلقين نفسك بعد سنة أو إذا قدم زيد، ففيه قولان:
أحدهما: نص عليه في "الإملاء" وهو قول أبى حنيفة واختيار المزني أنه جاز، تغليبًا لحكم الطلاق بالصفة، ولها إذا مضت السنة أو قدم زيد أن تعجل طلاقها، فإن أخرته لم تطلق.
والقول الثاني: نص عليه في الجديد، وهو الأصح لا يجوز تغليبًا لحكم التمليك، الذي لا يجوز أن يعلق لأجل منتظر ولا بصفة متوقعة، فان طلقت نفسها عند مضي السنة، وقدوم زيد لم تطلق، لبطلان التمليك، والله أعلم.
مسألة: قال الشافعي: " لا أعلم خلافًا أنها إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس وتحدث قطعًا لذاك أن الطلاق يقع عليها فيجوز أن يقال لهذا الموضع إجماع".
قال الماوردي: إذا جعل إليها طلاق نفسها فهو تمليك، يراعى فيه تعجيل القبول، والقبول أن تطلق نفسها فتملك بتعجيل الطلاق ما ملكها، وإذا كان كذلك فقد قال الشافعي ها اهنا: إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس أو يحدث قطعًا لذلك، وقع الطلاق عليها، فجعل وقوع الطلاق عليها مقيدًا بشرطين: