للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوطئ فلا تلزمه الكفارة؛ لأن قصد المجنون إلى الوطئ كعدم القصد، لاسيما فيما يتعلق بحق الله تعالى. ولهذا لو قال: والله لا أدخل الدار فدخلها وهو مجنون لا يحنث في يمينه ويفارق الناس على أحد القولين؛ لأنه من أهل القصد في الجملة بخلاف المجنون. قال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قول مخرج من حنث الناس أنه يحنث به، وتلزمه الكفارة. وهذا غلط والفرق ظاهر.

فإذا تقرر هذا فالمنصوص أنه يخرج به من حكم الإيلاء؛ لأن وجود الجماع بدفع الإضرار والقصد غير معتبر. بدليل أنه لو آلي عن أحد امرأتيه ثم وجدها على فراشه فوطئها ظنًا منه أنها امرأته الأخرى خرج به عن حكم الإيلاء وإن لم يقصد، ويفارص الحنث ووجوب الكفارة؛ لأن ذلك حق الله تعالى فيحتاج فيه إلى القصد. ومن أصحابنا من قال: لا يخرج به عن حكم الإيلاء فيجب أن يستأنف لها أربعة أشهر بعد الوطئ كما لو طلقها في الإيلاء ثم راجع استؤنفت أربعة أشهر من يوم رحل الفرج. وتأويل قول الشافعي خرج من حكم الإيلاء، أي فيما مضى من المدة دون المستقبل، وإذا أفاق طولب بالفيئة والطلاق وهذا غير صحيح لما ذكرنا.

ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا: لا يخرج به من حكم الإيلاء ثم أفاق هل نستأنف له المدة من وقت الوطئ، أو يوقف في الحال؟ وجهان؛ أحدهما: ما ذكرنا أنه يستأنف. والثاني: يوقف في الحال؛ لأنا قد ضربنا له المدة والوطئ الذي وجد منه كالمعدوم فإنه لم يتعلق به حنث، ولا خروج من حكم الإيلاء فصار كما لو لم يوجد، والصحيح ما ذكرنا. وإذا قلنا: خرج من حكم الإيلاء فالمذهب أنه لا تنحل اليمين، فإن أصابها بعد ذلك [١٢٠/ب] وهو عاقل تلزمه الكفارة وتكون منزلته في هذا الوقت منزلة من حلف قبل النكاح، ثم نكح يكون حالفًا لا يحكم عليه بحكم الإيلاء.

وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قولان؛ أحدهما: هذا والثاني: انحلت اليمين بالوطئ الأول، وهذا ليس بشء. قال المزني: إذا خرج من حكم الإيلاء كيف لا يلزمه الكفارة؟ ولو لم تلزمه الكفارة ما كان حانثًا، وإذا لم يكن حانثًا لم يخرج به من حكم الإيلاء. ومراد المزني من هذا الكلام غير مفهوم لأنه يشبه أن يكون معناه أنه إذا خرج من حكم الإيلاء وجب أن تلزمه الكفارة ويشبه أن يكون معناه أنه إذا لم تلزمه الكفارة وجب أن لا يخرج به من حكم الإيلاء وهذا أظهر الاحتمالين من كلامه قلنا: له الخروج من حكم الإيلاء بزوال المضارة وقد زالت وجوب الكفارة بحرمان العلم والقلم مرفوع عن المجنون فالأولى أن يفصل في الحكمين كما فصل الشافعي بينهما ولأن هذا الوطئ إبقاء حق لأدمي فلا يعتبر فيه القصد، وأما قول الشافعي رحمه الله "وكفر إذا أصابها وهو صحيح" يحتمل أنه أراد به إذا كانت مجنونة وهو عاقل تلزمه الكفارة إذا أصابها وهو صحيح، وله قصد بخلاف ما لو أصابها وهو مجنون لا كفارة عليه؛ لأنه جمع بين المسألتين فبين حكم الكفارة فيهما. ويحتمل أنه أراد: إذا أفاق من جنونه بعدما وطئ فيه، ثم وطئ مرة أخرى يلزمه الكفارة وإن لم يكن موليًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>