للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفارة لا يحلف، بل هو أمر بينه وبين الله تعالى، وعلى هذا لو قال العربي لأمته بالفارسية: شهره حري تو وقال: لم أعرف معناه حلف ولم يعتق. ولو آلي العربي بالعربية ثم قال: جرى ذلك على لساني من غير قصد، أو قال العجمي هذا في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم؛ لأنه خلاف الظاهر ويدين ما بينه وبين الله تعالى. وأعلم أن فيما نقله المزني إشكالا، وذلك أنه قال: فهو مولٍ في الحكم، وإذا كان يحسن العربي العجمية فآلي بالعجمية فهو مول في الحكم وغيره، فما معنى تقيده بالحكم؟ وإزالة هذه الأشكال بأن يقال: لعل الشافعي تصور المسألة في عربي علمًا أنه يتكلم بكلمات كثيرة من ألسنة العجم، فالظاهر أنه كان عالماً بمعنى الإيلاء في اللغة العجمية لما آلي بلسان العجم، فإذا ادعى إني لا أعقل ما ذكرت جعلناه في الحكم موليًا، لأنا لما عرفناه ناطقًا بلغة العجم في كلمات كثيرة فالظاهر منه أنه علم بالإيلاء، فأما بينه وبين ربه عز وجل فهو أعلم، ويحتمل أنه لم يعقل هذه الكلمة الواحدة، وإن عقل الكلمات الكثيرة. والذي يدل على مراد الشافعي ما عطف على هذه المسألة "أنه لو كان لا يتكلم بالعجمية فقال: ما عرفت ما قلت وما أردت الإيلاء فالقول قوله مع يمينه" يعني في الحكم أن الظاهر هاهنا أنه لم يعقل معنى لفظه، والظاهر في المسألة الأولى أنه يعقل معناه.

مسألة: قال: "ولو آلي ثم آلي".

الفصل

إذا آلي ثم آلي، مثل أن يقول: والله لا وطئتك خمسة أشهر [١٢٢/أ] ثم قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر، أو حلف على مدتين، فقال: والله لا وطئتك خمسة أشهر ثم قال: والله لا وطئتك سنة، فإذا مضت أربعة أشهر طولب، فإن وطئ حنث فيما قال الشافعي. رحمه الله. في "الأم": لا ينظر فإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة، وإن أراد غيرها فأحب آلي "كفارتان"، ويجزيه كفارة واحدة لأنهما يمينان في شيء واحد"، وهو المشهور من مذهبه. وقال أصحابنا: فيه قول آخر أن عليه لكل يمين كفارة. قال أبو إسحاق: وليس وجوب الكفارتين بشيء، وإنما ذلك استحباب كما إذا نذر ثم نذر عليَّ شيء واحد لم يلزمه الثاني ما لم يكن لزمه بالأول استحباب كما إذا نذر ثم نذر عليَّ شيء واحد لم يلزمه الثاني ما لم يكن لزمه بالأول من الوفاء، فكذلك اليمين في الكفارة، وإن أطلق ولايته له، فإذا قلنا: إذا أراد غيرها يلزمه كفارة واحدة فهاهنا أولى، وإن قلنا هناك: يلزم كفارتان فها هنا قولان. وقال صاحب "الإفصاح": إذا حلف على مدتين مختلفتين يجب كفارتان قولاً واحدًا؛ لأنهما يمينان مختلفان، وهذا لا يصح؛ لأن الحنث واحد فلا تتكرر الكفارة، كما لو كانتا على مدة واحدة. قال القفال: بين الوصل وبين الفصل في هذه المسألة؛ لأنه لو قال

<<  <  ج: ص:  >  >>