واحتجوا بأن الله تعالى قال:{وإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ القَوْلِ وزُورًا}[المجادلة:٢]، فيجب أن ينطق به بالكفارة دون الإمساك فإنه مباح. وقال داود وأهل الظاهر تجب بالظهار والعود، ولكن العود إعادة لفظ الظهار، فإذا كرر لفظ الظهار يصير بالثاني عائدًا إلى ما قال، وهذا لأن العود مشتق من الإعادة. وقال مالك وأحمد: العود هو العزم على الوطئ، وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة. وقيل: إنه قول للشافعي في القديم، وذكره ابن أبي أحمد، وهذا لأنه قصد باللفظ تحريمها، فإذا عزم على الوطئ فقد عاد فيما قصد.
وقال الحسن وطاوس والزهري: العود الوطئ، ويروي هذا عن مالك، لأنه حرم على نفسه الوطئ فالعود أن يطأ. وقال أبو حنيفة في الصحيح من الروايات عنه: كفارة الظهار لا تستقر في الذمة، بل هي شرط للاستباحة كالرجعة، فيقال له: إن أردت استباحة الوطئ تكفر، وإن لم ترد ذلك فلا تكفر، فإن وطئ قبل التكفير قلنا له: بئس ما فعلت ولا تعد إلى الوطئ حتى تكفر. واحتج بأن العود إنما يكون في مقوله دون قوله، ومقوله التحريم [١٣٩/ ب] فالعود استباحتها، فمتى يريد الاستباحة يكفر، وهذا غلط؛ لأن قوله يقتضي تحريمها وإبانتها وزوال النكاح بينهما، فإذا أمسكها زوجة، خالف ما قاله وأحل ما حرمه، وهذا يسبق العزم على الوطئ، وكان هو الموجب للكفارة. فإن قيل: أليس قال الله تعالى: "ثُمَّ يَعُودُونَ"، وثم للمهلة والتراخي والإمساك يعقبه لفظ الظهار؟ قيل: لا يعقبه، بل يكون العود بمضي زمان يمكن فيه الطلاق فلا يطلق وهو متراخٍ. فإن قيل: ليس في خبر المستفتية عن ظهار زوجها أنها أخبرت بوجود العود. قيل: لما أخبرت بالظهار ولم تخبر بالطلاق دل ظهاره على عدم الطلاق وقد مضى ما بين لفظ الظهار إلى زمان الاستفتاء ساعات محتملة للتطليق، فاستغنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل هل وجود هذا العود أم لا.
وأما ما ذكر سفيان الثوري لا يصح؛ لأن الله تعالى علق الكفارة بشرطين في الإسلام فلا يتعلق بأحدهما وهو الظاهر والعود بعده. وأما ما ذكره داود لا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المظاهر بالتكفير ولم يسأل هل أعاد اللفظ أم لا، ولأنها كفارة تجب باللفظ والشرط فلا يكون ذلك الشرط إعادة اللفظ ككفارة الإيلاء، ولأنه لم يقل: ثم يعودون إلى ما قالوا، بل قال:"لما قالوا"، وهذا يقتضي العود فيه لا العود إليه. وأما ما ذكر مالك لا يصح؛ لأنها كفارة فلا تتعلق بالعزم على المخالفة ككفارة اليمين، ولأنه إذا احتمل اللفظ ما ذكرتم وما ذكرنا فما قلنا أولى؛ لأن الإمساك يضيق العزم. وأما ما ذكره الزهري لا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على أوس بن الصامت ولم يسأل عن وجود الوطئ، ولأنه أمسكها على الزوجية بعد التحريم الظهار فأشبه إذا وطئ، ولأن الله تعالى قال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}[المجادلة:٣] فأوجها قبل الوطاء. [١٤٠/ أ] وأما ما ذكر أبو حنيفة لا يصح؛ لأنه أوجبها بالعود والظهار، وعنده يحصل العود بالكفارة وهو الاستباحة، ثم الاستباحة ليست من فعله فلا معنى