أن يمنع" أراد احتياطًا واستحبابًا، ووجه قوله القديم وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية، وهو اختيار جماعة من أصحابنا، أن الله تعالى قال:{مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، واسم المسيس يقع على الوطئ وما دونه، ولأنه لفظ يقع على التحريم في الزوجية فتحرم الدواعي كالطلاق، ووجه قوله الجديد وهو الأظهر أنه عارض في النكاح لا يزيل الملك بحال فلا تحرم الدواعي كالحيض والنفاس، أو وطئ محرم لا يتعلق به وجوب مال فأشبه ما ذكرنا.
مسألة: قال: "فإنْ مسَ لمْ تبطلْ الكفارةُ".
المظاهر إذا وجبت عليه الكفارة يحرم عليه وطئها ما لم يكفر، ووقت أداء الكفارة ما لم يطأ، فإن وطأ خرج وقت أدائها وكان تحريم وطئها قائمًا، ولا كفارة عليه بهذا الوطئ ولا يقربها مرة أخرى حتى يكفر، ومتى كفر بعد الوطئ كان قضاء، كما تقول في الصلاة إذا صلاها في الوقت كان أداء، وإن صلاها بعد خروج الوقت [١٤١/ أ] كانت قضاء. وقال سعيد بن جبير والزهري: تسقط عنه الكفارة؛ لأنها وجبت قبل المسيس وقد فات وقتها، وهذا غلط؛ لأن الثابت يقضي كصوم رمضان والصلاة. وقال عمرو بن العاص ومجاهد وعبد الرحمن بن مهدي: يلزمه بالوطئ كفارة أخرى، وهذا أيضًا غلط لما ذكرنا من خبر ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر بعد الوطئ: "اعتزلها" حتى يكفر ولم يوجب كفارة أخرى. وروي سلمة بن صخر البياضي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المظاهر يواقع قبل أن يكفر: "يكفيه كفارة واحدة".
مسألة: قال: "ولو أصابَها وكفرَّ بالصومِ لم ينتقضْ صومَه".
من وجبت عليه الكفارة كانت علي الترتيب، فيلزمه عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، فإن كان من أهل الصيام فدخل في الصوم ثم أكل أو جامع عمدًا نهارًا بطل صومه وعليه أن يستأنف شهرين، وإن لم يبطل صومه بأن أكل أو جامع ناسيًا أو مكرهًا لم يبطل صومه ولا شيء عليه، وكذلك إن وطئ ليلًا لم يقدم ذلك في الصوم ومضى على الكفارة، ولكنه يمضي بذلك. وبه قال أبو يوسف وأحمد في رواية. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في الرواية الثانية: إذا وطئ المظاهر عنها كيفما كان في أثناء الصوم بطل صومه ناسيًا كان أو عامدًا، ليلًا كان أو نهارًا، ويلزم استئناف شهرين متتابعين. واحتجوا بأن الله تعالى قال:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}[المجادلة:٤]، فأوجب شيئين؛ إخلاهما عن المسيس، وتقدمها عن المسيس، وقد عجز الآن عن تقدمها على المسيس ولم يعجز عن إخلاهما عن المسيس، فوجب عليه ما قدر وسقط ما عجز [١٤١/ ب] وهذا غلط؛ لأنه وطئ لم يلق الصوم فلا يلق الصوم، كما لو وطئ غير المظاهر عنها ليلًا. وأما الآية فهي دليلنا؛ لأن المأمور بتقديم الشهرين على المسيس مأمور بتقديم كل واحد من الشهرين على