للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يسأله بعد اللعان لأن حقه سقط به فلا تتجسس بعد ذلك.

مسألة: قال: "وقالَ في اللعانِ: وليسَ للإمام إذَا رمى رجلٌ أن يبعثَ إليهِ فيسألهُ عنْ ذلكَ لأن اللهَ تعالى يقول: {وَلا تَجَسَّسُوا}. فإن شبه على أحدٍ بأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثَ أنيسًا إلى امرأةٍ رجلٍ فقالَ: إنْ اعترفتْ فارجمها".

الفصل

مقصود الشافعي من هذا الفصل أن يبين الفرق بين حديث العسيف وبين حديث شريك بن السحماء، والموضع الذي يحتاج فيه إلى الفرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى شريك في المشهور من الرواية وبعث إلى المرأة في حديث العسيف أنيسًا وقال: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. ووجه الفرق ما أشار إليه الشافعي وهو أن تلك المرأة صارت مقذوفة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم به فأوجب لها حد إن لم يعترف بالزنا لأن والد العسيف قال: يا رسول الله إن ابني كان عسيفًا لهذا فزنا بامرأته فهذا قذف صريح وجب لها به حد وهي غير عالمة فكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعريفها لتطلب حدها، وإن لم يعترف الزنا لم يتمحض بعث أنيس إليها تجسسًا.

فأما شريك ابن السحماء [٢٠٤/ ب] لو بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يستخبره أو يستحضره كان ذلك محض التجسس لأنه يسأل ليقام عليه حد الزنا إن اعترف، ولا يسأل ليقام على قاذفه حد القذف إن جحد، وكيف جحد قافذه وقد التعن، وفي اللعان إذا سمي المرمى به يسقط حد قذفه، وإن لم يسمه يسقط أيضًا في أحد القولين وبه أجاب في "الإملاء" حيث ذكر هذا الفصل وهذا الفرق.

ثم اعلم أن بعد هذا الفرق في سواد الكتاب نوعان من الإشكال وراء الفرق أحدهما: أن الشافعي أطلق لفظه فقال: وليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله؛ وهذا كيف يستقيم مع روايته أن امرأة رميت بالزنا فبعث إليها. وإزالة هذا الإشكال بأن يقال: إنما أراد الشافعي بهذا الإطلاق صورة مخصوصة وهي إذا رمى رجل رجلاً بامرأته وتلاعنا، أو أراد أن يلاعن؛ فليس للإمام في مثل هذا الموضع أن يبعث إلى المرمي، لأن المرمي لا يستحق حد القذف على الزوج الملاعن فالبعث إليه محض التجسس. وقد قال الله: (وَلا تَجَسَّسُوا). وإن كانت الصورة في غير الزوج الرامي فليبعث كما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيسًا ولم يرد الشافعي بمطلق لفظة هذه الصورة. والإشكال الثاني: في السواد أن الشافعي قد روى هاهنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل شريكًا فأنكر فلم يحلفه وهذا يرفع ما ادعى الشافعي أن مقذوف الزوج الملاعن لا سأل لأنه تجسس. وإزالة هذا الإشكال بأن نقل كأن الرواية قد اختلف في حديث شريك ففي رواية لم يستحضر، وفي رواية أنه استحضر. فقصد الشافعي الكلام على

<<  <  ج: ص:  >  >>