تجرد القسم عن ذكر الله سقطت حرمته، فسقطت كفارته.
وأما الجواب عن قوله تعالى: {إذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: ١٧]. فهو أنه إخبار عن القسم، وليس فيه دليل على صفة القسم، كما لو قيل: حلف فلان لم يكن فيه دليل على ما حلف به.
وأما الجواب عن الخبرين فمن وجهين:
أحدهما: ما ذكرناه.
والثاني: يجوز أن يكون قد حذف ذكر الله منه اقتصارًا على العرف فيه.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن إطلاقه محمول على العرفين فيه، فهو أن العرف من القسم أنه يمين لكن قد يكون بالله تارة وبغير الله أخرى، كما لو قال: حلفت، يجوز أن يريد بالله، ويجوز أن يريد الطلاق والعتاق، وبما لا تنعقد من المخلوقات، فلم يجز أن يضاف القسم إلى الله تعالى دون غيره والله أعلم.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "فَإِنْ قَالَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَوْعِدًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ. قَالَ المُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الإِمْلَاءِ هِيَ يَمِينٌ".
قال في الحاوي: أما قوله: "أقسم بالله" فيحتمل أمرين:
أحدهما: أن يريد بها يمينًا في الحال.
والثاني: أن يريد أنه سيقسم يمينًا في المستقبل فصار احتمالهما لهذين الأمرين كاحتمال قوله: أقسمت بالله، لأمرين، وإن اختلفا في صفة الاحتمال، لأن الاحتمال في أقسمت ليمين ماضية وفي قوله: "أقسم" ليمين مستقبلة، فيكون الحكم معتبرًا بأحواله الثلاثة.
أحدهما: أن يريد بها عقد يمين في الحال، فتنعقد يمينه.
والثاني: أن تكون مطلقة، فيعقد يمينه اعتبارًا في الإطلاق يعرف الشرع والاستعمال. قال الله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: ١٠٧].
والثالثة: أن يريد بها موعدًا في يمين مستقبلة، فالمنصوص عليه من الأيمان أنها لا تكون يمينا حملاً على إرادته في الموعد، والمنصوص عليه في الإيلاء أنها تكون يمينًا في الحال، فخرجه أصحابنا على وجهين:
أحدهما: حمل ذلك في اليمين والإيلاء على قولين:
والثاني: حمل الجواب على ظاهره في الموضعين للفرق بينهما بما قدمناه، والله أعلم.