أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦]. وقال:{إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: ١]. وإذا اقترن بها أحد العرفين صارت يمينًا، ولا تكون الشهادة بالله عند الشافعي يمينًا قاطعة، لعلتين:
إحداهما: ما علل به الشافعي أنها تحتمل أشهد بأمر الله على وجه الشهادة بالأيمان بالله، فخرجت عن حكم ما لا يحتمل.
والثانية: ما علل به أبو إسحاق المروزي أنها ما كانت جارية في عرف الخاصة والعامة، والشهادة بما لا تعرفها العامة في الأيمان فزال عنها حكم اليمين. فأما استدلال أبي حنيفة بعرف الشرع، فقد قابله في حمله على شهادة الأيمان بالله عرف شرعي، فلم يكن أحد العرفين أولى من الآخر، فتعارضا، ورجع إلى إرادته، ولا يخلو حاله في قوله: أشهد بالله من ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يريد بها غير يمين، فلا تكون يمينًا، وهو الذي خالف فيه أبو حنيفة.
والثانية: أن يريد بها اليمين، فتكون يمينًا بوفاق أبي حنيفة، لما وافقها من أحد الفريقين.
والثالثة: أن يطلق ولا تكون له فيها نية، فقد اختلف أصحابنا في هذا الإطلاق على وجهين:
أحدهما: أن إطلاقهما أن تكون يمينًا لموافقة العرف الشرعي، ويكون جواب الشافعي في أنها ليست بيمين محمولاً على أنه لم يرد بها اليمين.
والثاني: أن إطلاقها يمنع من أن تكون يمينًا لمخالفة عرف الاستعمال، ويكون جواب الشافعي في أنها ليست بيمين محمولاً على هذا الإطلاق.
قال في الحاوي: وهذا كما قال، لأن قوله: أعزم بالله يحتمل الاستعانة بقوله، ومعونته على مقاصده تسليمًا لأمره، وهو الأظهر، وإن احتمل أن يريد عزمًا على اليمين بإضمار القسم، ولترددها بين احتمالين، أظهرهما أن تكون غير يمين، وأضعفهما أن تكون يمينًا، لم يجعلها يمينًا إذا نوى غير اليمين، ولا إذا أطلقها، لأنه لم يقترن بإطلاقها عرف الشرع ولا عرف الاستعمال، وجعلناها يمينًا إذا نواها لما يحتملها من حكم اليمين فتصير يمينًا في حالة واحدة وغير يمين في حالتين وجهًا واحدًا، بخلاف الشهادة حيث احتملت في الإطلاق، ولما اقترن بها من عرف الشرع.