يجز تقديمه قبل وجوبه كما لا يجوز تقديم الصلاة وصيام شهر رمضان على وجوبهما، والمال مما يجوز تقديمه قبل وجوبه لتعجيل الزكاةَ، ومثله ما يقوله في حقوق الآدميين أن تقديم ما تعلق بالمال من الديون المؤجلةً قبل محلها جائز، وتقديم ما تعلق بالأبدان من القصاص وحدُ القذف قبل وجوبها غير جائز، وفي هذا دليل على أحمد بن حنبل في جمعه بين الأمرين في الجواز، وعبر آخر، وهو أن الصيام في الكفارةً يجوز بعد العجز عن المال في وقت الاستحقاق فلا اعتبار عند الحنث لم يجز تقديمه قبل الحنث فخالف المال في هذا المعنى.
وأما الجواب عن قياسهم على تعجيلها قبل اليمين فهو أنه لم يوجد أحد سببي الوجوب فامتنع التقديم كما امتنع تعجيل الزكاةً قبل ملك النصاب وجاز بعد اليمين لوجود أحد السببين كما جاز تعجيل الزكاةً بعد ملك النصاب.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الحنث ضد اليمين فلم يجز أن يشتركا في الوجوب فهو أن اليمين عقد والحنث حل، والحل لا يكون إلا بعد عقد فلم يتضادا، وإن اختلفا كما أن قوله: لا إله كفر، وقوله: إلا اله إيمان، فإذا اجتمعا كان الإيمان بهما منعقدًا أو لم يتنافيا بالمضادةَ.
وأما الجواب عن استدلالهم بأن تعلق الكفارةً بإحداث فعل يمنع من تعلقها بما تقدمه من اليمين كالظهار يمنع من وجود الكفارةَ فيه بالنكاح وهو من وجهين:
أحدهما: أن الحنث في الأيمان ما لا يتعلق له بإحداث فعل وهو أن يقول: والله لأدخلن الدار في يومي هذا فينقضي اليوم قبل دخولها حنث بغير فعله، وقد منع أبو حنيفةً من تعجيل الكفارةَ فيه، فبطل أن يكون إحداث الفعل عليه في اختصاصه بالوجوب، فكان يلزم أبا حنيفةً إن أراد صحةَ تعليله أن يجيز تقديم الكفارةً في اختصاصه بالوجوب فيما لم يكن الحنث بفعله، ويمتنع منهما فيما كان الحنث بفعله.
والثاني: أن المقصود بعقد النكاح غير الظهار فلم يكن سببًا في وجوب التكفير فيه، وإنما تجب كفارةَ الظهار بالظهار والعود، ويجوز تعجيلها قبل الظهار وقبل العود وعقد اليمين متردد بين أمرين من بر وحنث فصار لوقوفه بينهما نسبًا في وجوب التكفير على أن أبا علي بن أبي هريرةً يقول: إن كفارةَ الظهار تجب بثلاثةَ أسباب بعقد النكاح، وبلفظ الظهار، وبالعود، فلم يجز تقديمها بعد النكاح وقبل الظهار لوجوب سبب واحد وبقاء سببين. وعلل بعض أصحابنا بأن الظهار محرم، فلم يجز تعجيل الكفارة فيه لأنه يؤدي آلي استباحة محظور عليه والحنث غير محرم فجاء من هذا التعليل أن يعتبر حال الحنث في الأيمان فإن كان واجبًا كمن حلف؛ لا صليت فرضًا أو مستحبًا كمن حلف؛ لا صليت نفلًا أو مباحًا كمن حلف؛ لا أكلت لحمًا جاز تعجيل الكفارةَ فيها قبل الحنث، وإن كان الحنث محظورًا كمن حلف بالله لا شربت خمرًا، ولا قتلت نفسًا لم يجز تعجيل الكفارةَ فيها قبل الحنث فصار تعجيلها فيما لم يكن محظورًا جائز وجهًا واحدًا، وجواز