التخيير في بعضه، والترتيب في بعضه فكفارةُ اليمين، قال الله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: (٨٩)] الآية، فجعله مخيرًا بين هذه الثلاثة، ثم قال: فمن لم يجد فصيام ثلاثةَ أيام، فجعل الصيام مرتبًا على العجز بعد المال، فبدأ الشافعي بالإطعام، لأن الله تعالى بدأ به لقوله:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: (٨٩)] فنص على عدد المساكين أنهم عشرةً فلا يجوز الاقتصار على أقل منهم لمخالفةَ النص وقال في طعام كل مسكين احتمالًا يقدره بحد فقال: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: (٨٩)] فاختلف العلماء في قدر ما يطعم كل مسكين منهم على مذاهب شتى:
أحدها: ما حكاه الحارث عن علي بن أبي طالب وقاله محمد بن كعب القرظي، والحسن البصري: إنه غداء وعشاء لكل مسكين.
والثاني: ما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير أن يعتبر المكفر في عياله فإن كان يشبعهم أشبع المساكين، وإن كان لا يشبعهم فيقدر ذلك في طعام المساكين.
والثالث: ما قاله بعض فقهاء البصرةَ أنه أحد الأمرين من غداء وعشاء.
والرابع: ما قاله أبو حنيفةَ: أنه إن كفر بالحنطةً أعطى كل مسكين نصف صاع، وإن كفر بالتمر أو الشعير أعطى كل مسكين صاعًا، وعنه في الزبيب روايتان:
أحداهما: صاع كالتمر.
والثانيةُ: نصف صاع كالبر.
والخامس: ما قاله الشافعي أنه يعطي كل مسلم مدًا واحدًا من أي صنف أخرج من الحبوب وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبو هريرةً رضي الله عنهم ومن التابعين عطاء وقتادةَ، وهكذا كل كفارةً أمسك عن تقدير الإطعام فيها مثل كفارةَ الظهار والقتل إذا قيل: إن في كفارة القتل إطعامًا على أحد القولين يقدر إطعام كل مسكين بمد واحد في أي يد كفر، ومن أي جنس أخرج، وقد تقدم الكلام فيه مع أبي حنيفةً في كتاب الطهارةَ، ومن الدليل عليه الكتاب والسنةَ والدليل.
فأما الكتاب، فقوله تعالى:"مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ " [المائدة: (٨٩)] فكان الأوسط محمولًا على الجنس والقدر، فأوسط القدر فيما يأكله كل إنسان رطلان من خبز، والمد رطل وثلث من حب إذا أخبز كان رطلين من خبز هو أوسط الكفارةً.
وأما السنة فما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الواطئ في شهر رمضان أن يطعم ستين مسكينًا فقال: لا أجد، فأتي بفرق من تمر فقال: أطعمه ستين مسكينًا، والفرق: خمسةَ عشر صاعًا يكون ستين مدًا، فجعل لكل مسكين مدًا، وآما الاستدلال فهو أن إطلاق الإطعام لو لم يقدر بالنص لكان معتبرًا بالعرق، وعرف من اعتدل أكله من الناس ولم يكن من المسرقين ولا من المقترين أن يكتفي بالمد في أكله، وليس ينتهي إلى صاع، هو عند