قال في الحاوي: إذا كان له مسكن لا يستغني عنه، وخادم لا يجد بداَ منه جاز له أن يأخذ من الزكاة والكفارة، وجاز أن يكفر بالصيام دون المال، ولو كان مفلسًا بيع ذلك في دينه، وإن لم يبع في كفارته، لأن في حقوق الآدميين مشاحة، وفي حقوق الله تعالى مسامحة، فإن كان في ثمن مسكنه أو في ثمن خادمه فضل يكون به غنيًا حرمت عليه الزكاة والكفارة وإن كان فيهما فضل للتفكير بالمال لم يجزه التكفير بالصيام.
قال في الحاوي: أعلم أن الكفارة تختلف باليسار والإعسار ففرض الموسر أن يكفر بالمال وفرض المعسر أن يكفر بالصيام، وقد يختلف اليسار والإعسار، فيكون عند الوجوب موسرًا، وعند التكفير معسرًا، وقد يكون عند الوجوب معسرًا، وعند التكفير موسرًا، فاختلف الشافعي هل يعتبر بالكفارة حال الوجوب أو يعتبر بها حال الأداء على قولين منصوصين، وثالث مخرج.
أحدها: أن المعتبر بها حال الوجوب وهو المنصوص عليه في هذا الموضوع من كتاب الأيمان، فإذا حنث وهو موسر فلم يكفر بالمال حتى أعسر ففرضه التكفير بالمال دون الصيام وتكون الكفارة باقية في ذمته حتى يوسر فيكفر، ويستحب له أن يعجل بالتكفير بالصيام استظهارًا حذرًا من فوات التكفير بالموات لاستدامة الإعسار ولم يسقط عنه فرض التكفير بالصيام، ولو كان معسرًا عند الحنث ففرضه التكفير بالصيام، فإن عدل عنه إلى التكفير بالمال أجزأ عدل عن الأخف إلى الأغلظ، ووجه هذا القول في اعتبار الكفارة بحال الوجوب شيئان:
أحدهما: إلحاقها بالحدود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وما يدريك لعل الحدود كفارات "والحدود معتبرة بحال الوجوب دون الفعل، لأن العبد إذا زنا فلم يحد حتى أعتق حُدَّ حدجّ العبيد، والبكر إذا زنا فلم يحد حتى أحصن حد حد الأبكار، وكذلك الكفارات.