للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون متتابعاً أجزأه متفرقاً قياساً علي قوله الله عز وجل ذكره: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:١٨٤] والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء وقال في كتاب الصيام أن صيام كفارة اليمين متتابع والله اعلم قال المزني رحمه الله هذا ألزم لأن الله عز وجل شرط صوم كفارة المتظاهر متتابعاً وهذا صوم كفارة مثله كما احتج الشافعي بشرط الله عز وجل رقبة القتل مؤمنه قال المزني فجعل الشافعي رقبة الظهار مثلها مؤمنه لأنها كفارة شبيه بكفارة فكذلك الكفارة عن ذنب بالكفارة عن ذنب أشبه منها بقضاء رمضان الذي ليس بكفارة عن ذنب فتفهم".

قال في الحاوي: قد ذكرنا أن الصوم في كفارة الإيمان مترتب لا يجزئ إلا بعد العجز عن الإطعام والكسوة والعتق لقول الله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:٨٩]، وهل يكون تتابع صومها شرطاً في صحتها أم لا علي قولين:

أحدهما: نص عليه في كتاب الصيام، وهو قول أبي حنيفة والعراقيين واختاره المزني أن التتابع شرط في صيامها، فإن صام متفرقاً لم يجزه استدلالاً بقراءة ابن مسعود:"فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وقراءة أبي: فصيام ثلاثة أيام متتابعة" والقراءة الشاذة تقوم مقام خبر الواحد في وجوب العمل، لأنها منقولة عن الرسول، ولأنه صوم تكفير فيه عتق، فوجب أن يكون التتابع من شرطه قياساً علي كفارة القتل والظهار، لما ذكره المزني أن من أصل الشافعي حمل المطلق علي ما قيد من جنسه كما حمل إطلاق العتق في كفارة الإيمان علي ما قيد في كفارة القتل من الإيمان فلزمه أن يحمل إطلاق هذا الصيام علي ما قيد من تتابعه في القتل.

والثاني: نص عليه في هذا الموضع، وهو قول مالك والحاجزين أن التتابع استحباب وليس بواجب وأن صومه متفرقاً جائزاً استدلالاً بما ورد به القرآن من إطلاق صيامها فاقتضي الظاهر إجزاء صيامها في حالتي تتابعها وتفريقها، ولا يجب حمله علي المقيد من كفارة الظهار كما ألزمه المزني لتردد هذا الإطلاق بين أصلين يجب التتابع في أحدها وهو كفارة الظهار، ولا يجب في الآخر وهو قضاء رمضان فلم يكن أحد الأصلين في التتابع بأولي من الآخر في التفرق.

ولأنه صوم يتردد موجبه بين إباحة خطر، فوجب أن لا يستحق فيه التتابع قياساً علي قضاء رمضان، فأما قراءة ابن مسعود وأبى فإنما تجرى في وجوب العمل بها مجرى خير الواحد، إذا أضيفت إلي التنزيل والي سماعها من الرسول صلي الله عليه وسلم فأما إذا أطلقت جرت مجرى التأويل دون التنزيل، ثم لو سلمت لحملت علي الاستحباب وإطلاقها علي الجواز، وأما كفارة القتل فلما تغلظ صومها بزيادة العدد تغلظ بالتتابع، ولما تخفف صوم كفارة اليمين بنقصان العدد تخفف بالتفرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>